يحيى جحاف
تعتبر الأسواق الشعبية ملتقى الناس الأسبوعي ومحطة استراحة للتاجر المتجول القادم من المناطق القريبة، والبعيدة على حدا سوى، بدءا من ذلك التاجر الذي يحمل بضاعته البسيطة على ظهره، وذلك الذي يأتي بها على ظهور الجمال والحمير والسيارات، ليستقر بها كل يوم من أيام الأسبوع في فناء المساحات المكشوفة لتلك الأسواق التي يرتادها الناس أسبوعيا،لاتقي رأسه وجسده من حرارة الشمس،إلى تلك الشماسيات، والطرابيل الملونة بألوان الطيف ، ليتشابه المشهد في تلك المساحات الواسعة لناظرها من بعيد مصايف شواطي البحار الجميلة، التي يرتادها الناس هربا من حرارة الجو وبحثا عن الهواء والمتعة والهدو، مع الاختلاف بين الحالتين شكلا ومضمونا، فالأول يبحث عن الرزق والآخر لقضاء وقت ممتع .
أسواق اليمن
تعاطى اليمنيون من عهد الدولة المعينية التجارة وساعدهم على ذلك امتداد نفوذهم حتى شواطئ البحر الابيض المتوسط وبلاد العجم تلا ذلك دولة سبأ فتجارتها فليس مكان لغناها فذكرت التوراة أن ملكة سبأ قدمت لسليمان(120)وزنة ذهب واطيا با كثيرة، وأحجار كريمة، وهذا دليل على الثراء بينما يحملون ما يأتيهم من الحبشة، والهند إلى مصر والشام، والعراق الأمر الذي جعلهم يبسطون نفوذهم التجاري والاستئثار بها مع غيرها من الممالك وقاموا بنقل التجارة بين بلاد العرب وتلك الاقطار المجاورة، أما الحميريون فقد جعلوا عرب الحجاز تحت سيطرتهم فاستخدموهم فن نقل تجارتهم الى قبل البعثة وصاروا هم نقلة التجارة في الجزيرة ( ) لذلك نستطيع القول ان الاسواق اليمنية تعتبر من اقدم الأسواق في الجزيرة العربية في الجاهلية والإسلام باعتبار مقاليد التجارة في البدء ظل السيطرة في يد العرب اليمنيين الذين سعوا إلى السيطرة على الطرق البرية وأقاموا بتامين القوافل وطرقها المؤدية الى بلدان مختلفة وعقدت من أجل ذلك تأمين مسارها بين القبائل فكانت التجاره من اهم النشاطات الاقتصادية التي تميزت بها الجزيرة قبل الاسلام( )مواضع لحراستها من قطّاع الطرق ومن تحرش القبائل بها. باعتبار أن الدول العربية قامت على مرتكزين أساسيين هما الزراعة والتجارة فارتبط كل منهما بالآخر الأمر الذي أدى إلى تطور حركتها كما ساعد الاستقرار السياسي نسبيا عند العرب قبل الإسلام إلى ازدهار النشاط الاقتصادي خصوصا في مجال التجارة( )غير أنه نتيجة للأحوال السياسية والطبيعية في اليمن من ظلم الحكام وانهيار سدّ مارب وهجرة كثير من القبائل إلى الشمال انتقلت السيطرة التجارية إلى عرب الحجاز تدريجياً، فكان اغلب التجار من قريش والمدينة والطائف( ) وكان لبعض المدن شأن كبير في ازدهار التجارة ونشوء الأسواق داخل الجزيرة العربية وعلى أطرافها، ومن هذه المدن مكة والبتراء وتدمر والحيرة. وقد استفاد أهل مكة من الأحداث التي وقعت في اليمن ولاسيما بعد عام الفيل وموت أبرهة، فانتقلت معظم مقاليد تجارة جزيرة العرب إليها ومع ذلك وبرغم كل هذه الأحداث ظلت على خلاف غيرها من الأسواق محتفظة بخصوصيتها، وطابعها التقليدي الذي يعتبر احد عوامل الجذب السياحي الغائب عن الكثير من الأسواق الأخرى متمسكة بتاريخها وتأبى المضي مع تيارات الزمن مختاراً الصمود في وجه التحديات وتلبي احتياجات الأهالي والمناطق المجاورة الأخرى تشكل معرضا حيا لطبيعة الحياة فبها وما تزخر به كل المناطق من صنوف التراث والفلكلور الشعبي سواء في طريقة عرض المعروضات من ناحية أم عادات التسوق وما يعرض من منتجات مختلفة، ويفد إلى هذه الأسواق خصوصا المشهورة منها الآلاف من المواطنين للتسوق من مختلف محافظات الجمهورية
خصوصيتها:
تتميز أسواق اليمن بخصوصيتها وأصالتها رغم تراجع حالها نتيجة عوامل متعددة إلا انه لازال في كل محافظة من محافظات الجمهورية العديد من الأسواق الشعبية والتاريخية والتي لازالت بعضها تحتفظ بهذه الخصوصية التي تعكس التحولات السياسية، والاقتصادية في الفترات التاريخية المختلفة، بينما البعض الآخر انقرض منها ولم يبق إلا اطلالها القائمة وهي كثيرة وموزعة في مناطق مختلفة منها: سوق الجريب الذي كان من الأسواق الشهيرة لأهل تهامة، ومكة، وعثر وجميع بلد همدان( ) وسوق هَملَ بفتحتين من فائش الجبر ويقع أسفل كحلان عفار وسوق صافر بالصاد المهملة آخره راء محتفظ باسمه الى التاريخ ولأسوق فيها اليوم ويقع بين سوق الأحد وسوق الثلاثاء من أعمال ظليمة وسوق الفاقعة في الجبر الأسفل من بلاد السودة ولاسوق فيه اليوم وسوق الاهنوم غير معروف وفي الاهنوم سوق هجر وفيه عدة مساجد قائمة منها جامع العرفات وجامع قطيب وسوق قطابة بضم القاف آخره باء وهاء ولا يزال سوقها قائما.( ) ومن الأسواق أيضا الكلابح، باري، الظهر ،عَيان، وأدران، نمل، قيلاب، وشرس، وحملان، طمام، والعرقة بلاعة، المخلفة وهذا السوق يتسوقوا أهل تهامة وأهل الجبال( ) إلى يومنا هذا تحتفظ بخصوصيتها وتميزها من البضائع , وما يحتوي من المنسوجات والأقمشة المستوردة والمجوهرات الفضية والجنإبي والخناجر والسيوف والأواني الفخارية والبهارات والعطور, ويجمع السوق العديد من المحلات المتنوعة مثل محلات الأواني الفخارية، والحبوب، والعطارة، والأسماك ,إضافة إلى محلات بيع الأقمشة وأدوات الحراثة التقليدية و مازالت هذه الأسواق المنتشرة بكثرة في المناطق القروية بالريف تقاوم بمنتجاتها المحلية زحف كلما هو قادم الأسواق الممتازة الذي يريد يسلبها خصوصيتها سوء كان ذلك بطريقة مباشرة وغير مباشرة لذا بدأ الكثير فيها ينقرض والبعض الآخر لم يعد له أثر( ) بينما توفر هذه الأسواق للفئات الاجتماعية الهشة والمتوسطة منتجات غذائية وسلعا كثيرة تناسب قدرتهم الشرائية، إذ تعتبر أسعار الأثمنة فيها أقل كلفة عما تعرضه الأسواق الممتازة ويفضل عدد من المتسوقين ارتياد هذه الأسواق نتيجة تنوع المعروض وجودته وكذا المتعة الخاصة التي توفرها هذه الأسواق الشعبية في التسوق بالإضافة الى أن أسعار المعروضات بين الأسواق الشعبية والأسواق الممتازة تختلف بل تصل حد تسجيل فارق سعر يصل إلى ا20 في المائة في بعض المنتجات الفلاحية و تعرف هذه الأسواق غالبا رواجا كبيرا وحركة تجارية واسعة حيث يعد التسوق الأسبوعي لدى العديد من ساكنة المناطق القروية بالريف خاصة بإقليم الدرويش و الحسيمة سلوكا اقتصاديا واجتماعيا لا مناص منه.
الأسواق الشعبية في اليمن:
لايخلو أي بلد في العالم من الأسواق الشعبية لكنها تتفاوت في تاريخ النشأة والمساحة والفترة التاريخية والزمنية للسوق. وتعدد الأسواق الشعبية في اليمن يحمل خصوصية وتميزا عن غيره لأنه يحكي تاريخ وقصص المكان الاقتصادية والاجتماعية وتاريخها الذي يعود إلى فترات مختلفة. ومع ذلك تظل هذه الاسواق وسيلة رائعة للتعرف على ثقافة البلاد كونها تمتلك رونقاً خاصاً يعكس أيضا تراث وتقاليد المكان.كما تعتبر هذه الأسواق امتداداً لتلك الطفرة التجارية والشهرة الكبيرة التي شغلها التجار اليمنيين وارتباط مراكزهم التجارية بأسماء مدنهم التجارية التي لازالت قائمة حتى يومنا هذا مثل مدينة صنعاء التي تعتبر اكبر وأقدم مدنها، وسوقها من أسواق(الحضر)وهو معزول عن الأحياء السكنية وله تنظيمه من ناحية تولي الضبط فيه من خلال عاقل السوق وتنظيم ما يباع ويشترى فيه، والأماكن المخصصة لأصناف المنتجات، ومركز جمركي وأماكن إيداع وسماسر ومقاهي ومطاعم وتنظيم جماعات الحرف المتخصصة وفروع التجارة ولكل منها رئيسها يضمن أمن السوق ونطاقه أثناء الليل وقد عرفت هذه الأسواق ضبط الأسعار والأوزان والمقاييس ( ) ومدينة عدن أقدم أسواق العرب، مرفاء السفن تجار الهند والسند والصين والحجاز والحبشة( ) أما الأسواق الأسبوعية في الريف والذي يعتبر ملتقى الناس الأسبوعي ومحطة استراحة للتاجر المتجول القادم من المناطق القريبة، والبعيدة على حد سوى، بدا من ذلك التاجر الذي يحمل بضاعته البسيطة على ظهره، وذلك الذي يأتي بها على ظهور الجمال والحمير والسيارات، ليستقر بها كل يوم من أيام الأسبوع في فناء المساحات المكشوفة لتلك الأسواق التي يرتادها الناس أسبوعيا، لتقي رأسه وجسده من حرارة الشمس، إلى تلك الشماسيات، والطرابيل الملونة بألوان الطيف ، ليتشابه المشهد في تلك المساحات الواسعة لناظرها من بعيد مصايف شواطىء البحار الجميلة، التي يرتادها الناس هربا من حرارة اللجو وبحثا عن الهواء والمتعة والهدو، مع الاختلاف بين الحالتين شكلا ومضمونا، فالأول يبحث عن الرزق والآخر لقضاء وقت ممتع .
عالم بسيط يكتنفه الحياة البعيدة عن صخب المدينة ومتطلباتها التي لا تنتهي
تجارة متواضعة من خلال مشاهدة كمية السلع التجارية التي لاتغيب عنها لحظات من المساومة بين البائع والمشتري.
الغالب على الباعة في هذه الأسواق أينما اتجهت في زواياه أن غالبيتهم يفترشون الأرض، وتطغوا الألفاظ العامية في طريقة البيع والشراء واضعين كلما يريدون بيعه أمامهم والذي لأيتجاوز في محتواه أحيانا عن متر مربع، بينما المشتري يظل يدور باحثا عن متطلباته على عجالة من أمره حتى يشتري كل حاجياته مستقيما عند الشراء من أولئك القاعدين في الأرض مشير بأصبعه نحو السلعة التي يريد شراها، وسائلا عن القيمة النقدية لها. ليعود إلى منزله حاملا محتاجاته الضرورية على ظهره أو فوق ظهور الحيوانات اوالسيارت. والتي لا يكثر من شرائها بل يقتصر الأمر على القليل منها ليومين أو ثلاثة أيام خصوصا اللحوم والخضروات والفواكه خشية التلف لغياب الكهرباء عن هذه المناطق، وعامل أخر تدني مستوى دخل الفرد لاعتمادهم الأساسي على الزراعة وتربية الماشية القائمة على مياه الأمطار. وتتبع هذه الأسواق النظام التقليدي للأسواق ويشكل نوع من نظام الحلقة والدائرة على مستوى كل منطقة تبعا لأيام الأسبوع لكن تظل هذه الأسواق تعكس التحولات السياسية، والاقتصادية في الفترات التاريخية المختلفة. وفيها يتم تبادل السلع بين المواطنين حسبما تقتضيه الظروف بين المتسوقين من القبيلة اومن خارجها ويعرض فيها المنتجات من حرف وصناعات تقليدية وسلع هذه الأسواق كغيرها تحظى بالأمن من القبائل المحيطة بها فلا قتل ولا اقتتال وقد أرسيت قواعد شرعية لمنع النزاعات أثناء السوق وهذه الأحكام العرفية نافذة عن طريق مشايخ الضمان الضامنين لتأسيس السوق في المنطقة كما يعين في أحيان كثيرة شيخ للسوق، وحاكم للسوق مهمة الأول ضبط الأمن، والأخير الفصل في القضايا بين المتشاجرين( )
الارتباط الزمني:
ارتبطت هذه الأسواق جميعها بأيام الأسبوع، لتبدأ من أول أيامه السبت وتنتهي بيوم الجمعة، لتشمل معظم المديريات في الجمهورية. التي قد لاتخلو من هذه الأسواق حتى تلك المدن الثانوية التي تطورت فيها الأسواق لتصبح شبه دائمة ويومية نظرا لتزايد عدد السكان فيها، وتلبي متطلبات السكان اليومية. وقد اشتهرت اليمن بأسواقها منذ القدم وذاع صيت بعض الأسواق فيها مثل سوق الجُريب الذي يعتبر من أسواق العرب وكان يستمر ثلاثة أيام، وسوق مآذن، وسوق الصلبة والذي كان يعتبر مركز تصدير لمحصول البن القادم من المناطق الجبلية إلى ميناء اللحية ومركز استيراد للبضائع القادمة من شرق آسيا والهند والأسواق العالمية عبر هذا الميناء .ليغطي حاجة الناس في مناطق السهل والجبل ،وسوق عدن لاعة وهو أيضا مركز تصدير البن القادم من الجبال الشرقية لمحافظة حجة إلى ميناء اللحية، وسوق لشراء المنتجات العالمية منه، بالإضافة إلى سوق قطابة وسوق مآذن وسوق عاهم، وغيرها من الأسواق. بالإضافة إلى سوق بيت الفقيه في تهامة الذي كان يعتبر من اكبر المراكز لاستقبال وتصدير البن إلى ميناء المخاء. وزبيد ،وسوق الجراحي ،وسوق الخوخة ،وسوق الضحى ،وسوق المغلاف، وسوق المنصورية، في سوق الشنيني، وسوق الضباب، وسوق النشمة، وسوق الأربعاء، وسوق هجده، وسوق المسراخ. ولا تختلف في المضمون برغم انتشارها الواسع في جميع المحافظات.
تصوير/حامد فؤاد