أزمة الرواتب
محارب علي ابوغانم
الفهم الاقتصادي هو الفهم للواقع والأحداث والتطورات الجارية من حولنا والقدرة على تحديد موقف واضح استنادا إلى قاعدة فكرية معينة تفرز وجهة نظر اقتصادية.
إذا لا يمكن قياس الوعي الاقتصادي فقط بكثرة المعلومات الاقتصادية وبالمقدرة على الربط بينهما ولا يمكن قياس الوعي الاقتصادي بالمعرفة السطحية لما يحدث من مستجدات ، فمن خلال فهمنا للواقع والأحداث والتطورات الجارية على الساحة اليمنية نستطيع كمختصين تحديد موقف واضح لما يجري من حولنا ( نحن نمر بأزمات متعددة ومنها الأزمة المالية – السيولة – ) الناتجة عن مجموعة من المسببات التي أنتجتها هذه الحرب الظالمة على بلادنا والتي لا نعلم كم ستستمر من الزمن ، لذلك كان يجب القيام بدراسة تطورات مراحل هذه الأزمة وهي في مرحلتها الأولى ( المرحلة التحذيرية ) أو مرحلة ما قبل الأزمة وتكمن أهمية هذه المرحلة في قدرة القيادات العليا المعنية على استكشاف كل الأزمات المحتملة والتنبؤ بها ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة ( نشوء الأزمة )، وهي مرتبطة بالمرحلة السابقة وتتجلى هنا كفاءة القيادات المعنية بالقدرة على مواجهة الأزمة وفاعلية اتخاذ التدابير اللازمة إزائها تليها المرحلة قبل الأخيرة وهي مرحلة ( انفجار الأزمة ) وتبدأ عندما تخفق القيادات المعنية في التعامل مع العوامل التي حركت الأزمة ولم يستطيعوا السيطرة على متغيراتها المتسارعة فتسري وتستشري، وآخر مراحل الأزمة وإن شاء الله نصل إليها هي ( مرحلة انحسار الأزمة ) وتبدأ هذه المرحلة عند تلاشي العوامل المسببة للأزمة إذ تعود المؤسسات التنفيذية إلى وضعها الطبيعي قبل حدوث الأزمة.
فأي نجاح مؤسسي هو دائما يكون مبنيا على أسس علمية قائمة على التخطيط المسبق لكل الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها والتنبؤ بالأزمات من خلال وضع نظم معلومات إدارية تضمن تدفق البيانات والمعلومات التي تسهم وبشكل فعال في اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة لاستغلالها وإدارة الموارد المتاحة بشكل أمثل.
لكن الذي حصل فيما يخص سيولة البنك المركزي هو مرور أكثر من سنة ونصف على هذا العدوان الغاشم على بلادنا وتدمير البنية التحتية لليمن وتطويق حصار خانق على الاقتصاد ومعيشة المواطن اليمني وفي الأخير تظهر لنا القيادات المعنية عبر وسائل الإعلام ليس لطرح الخطط والبدائل والحلول ولو أنصافها وعلى مراحل لاستمرارية صرف الرواتب مدة أطول بكثير مما هو متوقع بل ظهرت للتوضيح للناس أسباب هذه الأزمة التي للأسف نتج عنها عدم صرف الرواتب دون تحديد سقف زمني محدد للمدة التي ستستمر فيها هذه الأزمة مع العلم بأن العنصر الذي يستلم هذا الراتب هو أثمن عناصر الإدارة وأكثرها تأثيرا في الإنتاجية وهو العنصر البشري ,كما لا ننسى أن ننوه بأن الإجراءات الأخيرة لتحصيل إيرادات الدولة من الجمارك والمرور وغيرها جيده ولكنها جاءت متأخرة .
فالدولة مثلها كمثل جسم الإنسان تحتوي بداخلها جميع مؤسساتها التنفيذية المختلفة النابضة بالحياة لتحريك هذا الجسم ، والبنك المركزي يعتبر القلب النابض في هذا الجسم والسيولة المالية ( الرواتب وغيرها ) هي الدم الذي يضخه هذا القلب إلى جميع باقي أعضاء الجسم ( المؤسسات التنفيذية المختلفة ) كي تستمر بالعمل والإنتاج فلو توقف القلب عن ضخ الدم لباقي أعضاء الجسم البشري هلك الجسم ومات ، وكذلك الحال في جسد الدولة .