الأسرة / عادل بشر
هو شاب بسيط استطاع بعد سنوات من الكفاح أن يحقق حلمه في دخول الجامعة والتسجيل في إحدى كلياتها ولكنه لم يكمل سنته الأولى فيها، لانحرافه عن المسار الذي وضعه لنفسه، فاحترف الإجرام وأدمن المخدرات وفضل الكسب الحرام الذي يجنيه بسهولة عن الكسب الحلال الذي يحتاج إلى كد وتعب فكان مصيره القتل على يد مجرم آخر ..
تفاصيل القضية تحكيها الأسطر التالية:
محمد شاب في العشرين من عمره ولد في منطقة ريفية وينتمي لأسرة متوسطة الحال, فوالده مزارع بسيط معدم لا يملك من حطام الدنيا سوى ذراعه وابنه محمد الذي أصبح الهم الأكبر له , فمنذ طفولته ووالده يحاول جاهدا توفير كل ما يطلبه، وحين بلغ العاشرة من عمره أصيبت والدته بمرض شديد كلفت الأب الكثير من الأموال لعلاجها، مما اضطر محمد إلى مساعدة والده والعمل لدى أهالي القرية باليومية، فكان يذهب في الصباح إلى المدرسة وحين يعود منها يلحق بوالده إلى الحقل، ويواصل معه العمل حتى المساء.
مضت الأيام والسنوات وحياة هذه الأسرة لم تتغير شيئا وكان الأب يرى في ابنه السند والمعين والأمل الذي سيحول حياة الأسرة الصغيرة ويصنع لها مستقبلا رائعا ,لذلك حرص الأب كثيرا على الدفع به إلى المدرسة وحثه على الجد والاجتهاد حتى يتمكن من دخول الجامعة والحصول على وظيفة محترمة تنتشله من الفقر والحاجة وتجعل والده ووالدته ينعمون بحسن الخاتمة.
حينما وصل محمد في دراسته إلى الصف الثالث ثانوي وقبيل امتحانات المرحلة الثانوية بأيام اضطر والده إلى استلاف مبلغ من المال يُمّكن ابنه محمد من السفر إلى المدينة وإجراء اختبارات الثانوية هناك، بحسب خطة وزارة التربية والتعليم .
اخذ الابن النقود وسافر إلى المدينة وكانت أول مرة يزور فيها المدينة وسكن برفقة زملائه الذين جاؤا جميعا من القرية وأجرى الاختبارات بتفوق , في تلك الفترة قرر محمد البقاء في المدينة وإيجاد عمل يستطيع من خلاله تسديد الدين والمتمثل في المبلغ المالي الذي تسلفه والده أثناء ذهابه إلى المدينة.. فاشترى عربية صغيرة وقام ببيع البطاط الناضج عليها في احد أسواق القات وكسب من وراء ذلك العمل مبلغا لا باس به، كان يجمعه ونهاية كل شهر يرسل بجزء منه لوالده .
مضى الشاب على هذا الحال نحو عام كامل حتى فتحت الجامعة أبوابها وسجل في إحدى كلياتها .
مع الأيام وخلال دراسته في الجامعة احتك محمد بزملاء ميسوري الحال وكون صداقة معهم ولكنه كان يشعر بالنقص كونهم يلبسون أفضل منه، وجيوبهم متخمة بالأموال ,فأصيب الشاب بحالة نفسية صعبة وحاول البحث عن أي طريقة يزيد بها دخله اليومي.
وفي إحدى الليالي شعر الشاب أن حياته لا تسير إلى الأفضل، فما هو فيه الآن من عمل وتعب لا يختلف كثيرا عن ما كان عليه في القرية, فشعر بضيق شديد في صدره، دفعه إلى الخروج في ساعة متأخرة من الليل إلى منطقة تقع أطراف المدينة يقصدها بعض الناس للاستمتاع بمنظر المدينة من اعلي، واختار لنفسه مكانا جلس فيه مع نفسه يتأمل المدينة المزدحمة وكيف أحس فيها بالضياع.. أثناء ذلك لمحت عيناه حركة غريبة داخل سيارة تقف على مقربة منه، فاقترب من السيارة وشاهد شابا وفتاة يتبادلان القُبل داخل السيارة، فهجم عليهما وأراد أن يضرب الشاب وأصر على إيصالهما إلى قسم الشرطة ,غير أن الشاب والفتاة شعروا بالخوف من الفضيحة وحاولا استرضاءه وإسكاته بإعطائه مبلغا من المال، ولكنه بداية الأمر رفض أخذ النقود، فضاعفه له الشاب بطلب من الفتاة التي كانت معه مقابل أن يتركهما يذهبان بهدوء.
اخذ محمد مبلغ المال وعاد إلى الغرفة التي يسكن فيها وكان ذلك المبلغ كثيرا لم يحلم أن يحصل عليه بهذه السهولة، وذهب في اليوم التالي إلى الجامعة وقد تغيرت حالته النفسية , وعندما نفد من جيبه المال، ذهب إلى نفس المنطقة ووجد سيارة تحمل لوحة خليجية وعليها شاب وفتاة في مشهد مخل، فمارس نفس الأسلوب الأول وأضاف عليه بإيهامهما انه ضابط امن، ولم يتركهما إلا بعد أن سلبهما مبلغا من المال.. وهكذا استحب محمد هذا العمل فترك العمل في العربية وانشغل بدنياه الجديدة , وأصبح كل مساء وتحت ستار الظلام يجول تلك المنطقة ويقوم بابتزاز من يسهل ابتزازهم، وبذلك جميع الكثير من المال ثم تعرف على بعض الأصدقاء المنحرفين وتعود معهم على تناول المخدرات ونسي أسرته ووالدته المريضة .
ذات يوم ذهب الشاب كعادته لممارسة الابتزاز ,فقادته الأقدار إلى شابين يجلسان مع فتاة، فأراد أن يبتزهما ولكنهما لم يرضخا له واشتبكا معه ووجه له احدهم طعنة قاتله في الرقبة، سقط على إثرها مضرجا بدمائه، ولاذ الجناة بالفرار بعد أن ظنوا انه مات .
ظل محمد ملقى على الأرض والدماء تسيل منه ثم تمكن من الاتصال بصديقه الذي جاء مباشرة لإسعافه إلى المستشفى وكانت إصابته بليغة.
في اليوم الثالث من الحادثة فارق الشاب الحياة متأثراً بجرحه الغائر، ولم تمض سوى أيام معدودة حتى تمكن رجال الأمن من القبض على القاتل الذي تبين انه أيضا من أصحاب السوابق ولديه سجل كبير من الجرائم لدى الجهات الأمنية.