الواقعية الروسية تتفوق على العقلية الأمريكية

شيماء محمد
يجب علينا التفكير في معنى استخدام روسيا لقاعدة عسكرية في إيران لتنظيم ضربات جوية في سوريا، وفي الدروس التي يمكن أن تتعلمها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من الروس.
الأهمية ليست في تطور التحالف العسكري بين روسيا وإيران، فالتطور يتحدد أكثر بشأن الصراع في سوريا، وإنما الميزة الرئيسية لروسيا المتعلقة بالاعتبارات التشغيلية التكتيكية التي تمكن الوصول إلى ساحة المعركة.
الدرس بالنسبة للولايات المتحدة ليس التورط في استخدام أكثر للقوة العسكرية في المنطقة، فالولايات المتحدة بالفعل تشن غارات جوية في سوريا، ولديها وجود عسكري أكبر من روسيا في منطقة الشرق الأوسط، لذلك شعور واشنطن بالقلق حول تزايد نفوذ روسيا في الشرق الأوسط ليس لأن الروس يقومون بعمليات عسكرية في المنطقة أكثر منها.
الدرس الذي يجب أن تستفيده الولايات المتحدة من سياسة بوتين في المنطقة هو كيف يمكن لقوة خارجية تحقيق أهدافها ومصالحها بشكل كامل وبحرية؛ لأن لديها استعدادًا للعمل مع أي جهة، دون تحديد نفسها بالعمل فقط مع دول تعتبرها حلفاء، وعدم السماح للعداوات القديمة أو الخلافات الحالية بعرقلة المبادرات الدبلوماسية والتعاون العملي.
هذا النهج الروسي واضح في تعاملاتها الأخيرة مع غير الحلفاء الآخرين في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل وتركيا، فالروس والأتراك ليسوا رفاقًا، خاصة وأن المصالح التركية، وبالأخص الاقتصادية، لا تزال تتجه نحو الغرب أكثر من روسيا.
هنا الواقع، فالعداوات التي يندرج تحتها العديد من الحروب الروسية التركية، والخلافات الحالية بين موسكو وأنقرة التي يأتي ضمنها القضية السورية، وحقيقة أن الولايات المتحدة وليست روسيا هي التي تستخدم قاعدة جوية في تركيا، كل ذلك لم يمنع بوتين من التقارب مع حكومة أردوغان؛ لتحقيق مصالح بلده.

وفي ممارسة تلك الدبلوماسية المرنة، بوتين يعمل بالتقليد الواقعي، وبذلك تسجل روسيا نقاط فوز على الولايات المتحدة طالما أن الولايات المتحدة تتبع سياسة أن العالم منقسم إلى حلفاء وخصوم.
هذا النهج غير الواقعي هو وسيلة رديئة لحماية التقدم والمصالح، وفي كثير من الأحيان يؤدي بها إلى التعاون بشكل وثيق مع خطوات سيئة للحلفاء المزعومين. فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة تدعم اليوم التدخل العسكري الدموي، الذي تقوده السعودية في اليمن. هذا النهج أيضًا يضيع فرص البناء على المصالح المشتركة الموجودة حتى مع تلك الدول المصنفة كخصم.
توجد أمور مشتركة بين إيران والولايات المتحدة، بما في ذلك المتعلقة بالوضع في سوريا والعراق، التي يمكن للولايات المتحدة أن تبني عليها بشكل مربح علاقاتها مع إيران، لاسيما في أعقاب الاتفاق النووي.
ولكن أي توجهات لإدارة أوباما للتحرك في هذا الاتجاه سيتم إحباطها عن طريق المقاومة السياسية القوية داخل الولايات المتحدة للتفكير في إيران بأي شيء سوى اعتبارها هدفًا للعقوبات والعزلة؛ لذلك فالولايات المتحدة تفقد الفرص، بينما بوتين، الأكثر حكمة في هذا الصدد، يقتنص تلك الفرص.
ولو أصبحت الولايات المتحدة أكثر حكمة، فسوف تفكر أيضًا في روسيا نفسها، التي تصنفها كخصم بنهج واقعي، فوجود روسيا في هذا التصنيف من المفترض ألا يمنع الولايات المتحدة من استكشاف واستغلال مجالات المصالح المتوازية بينهما.
إدارة أوباما تحاول أحيانًا أن تفعل بعضًا من هذا فيما يتعلق بالعمليات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة في سوريا. ولكن أكبر عائق هو عقلية الحرب الباردة السائدة في السياسة الأمريكية، التي توصل إلى وضع محصلته صفر، وتجعل أي نشاط لروسيا في الشرق الأوسط، ناهيك عن أي مكاسب روسية واضحة هناك، يتم النظر إليه كانتكاسة للولايات المتحدة.
* ناشيونال إنترست

قد يعجبك ايضا