
استطلاع / محمد راجح –
بدأ حلم عبدالله علوان المقبلي موظف في إحدى الوزارات الحكومية من ذوي الدخول المتدنية
باعتباره موظفاٍ من الدرجة العاشرة .. يتلاشى في تحسين وضعه المعيشي الذي يرزح تحت وطأته
منذ عقود .
عبدالله نموذج لشريحة واسعة من المواطنين الذين تستهدفهم الخطط والبرامج التنموية والاقتصادية
وتأتي لهم بنتائج عكسية تضرهم أكثر مما تنفعهم في تحسين دخلهم ومعيشتهم.
الوضع الاقتصادي في اليمن بحاجة لتغيير جذري وواقع البلد يتطلب إحداث ثورة في المفاهيم
والخطط التنموية التي نطبقها من سنوات طويلة وقد عفا عليها الزمن ولم نجن منها شيئاٍ سوى
الكوارث الاقتصادية السلبية المتمثلة بتفاقم الفقر والبطالة وتردي البنية التحتية وضعف النمو
الاقتصادي.
وخلال الفترة الماضية كانت هناك تقلبات متعددة للوضع الاقتصادي والتنموي مع هبوط النمو ومن
ثم ارتفاعه بنسبة ضئيلة لكنها فارقة عن العامين الماضيين لكن المواطن لم يلمس أي تأثير في حياته
المعيشية مع تزايد الفجوة اتساعاٍ بين التنمية الاقتصادية والواقع المعيشي للمجتمع.
يرى الخبير الاقتصادي منصور البشيري مدير عام التوقعات والدراسات الاقتصادية بوزارة
التخطيط والتعاون الدولي أن النمو الاقتصادي الحالي لا ينعكس بشكل مؤثر في تحسين الأوضاع
المعيشية للمواطنين .
ويرى أن ذلك يعود إلى الانعكاسات والآثار السلبية لما حدث العامين الماضيين في اليمن حيث
توقفت معظم المشروعات بما فيها مشاريع التعليم والمشاريع المتصلة بالتنمية والخدمات العامة سواء
في مجال الصحة أو التعليم أو في مجال توليد فرص عمل للدخل وبالتالي هذه هي أهم الأسباب.
ويشدد البشيري على أن اليمن تحتاج لعمل شاق للنهوض بالتنمية وتحسين مستوى دخل الفرد وهذا
مرتبط بسير العملية التنموية في البلد ويحتاج لفترة زمنية مابين متوسطة وطويلة نسبيا لأن هناك
صعوبة في أن تخرج هذا العدد الهائل من السكان من دائرة الأمية إلى دائرة القراءة والكتابة وكذا
التراكمات الاقتصادي التي حدت من تحسين مستوى الدخل.
ويشدد على أن ارتفاع مستوى دخل الفرد يحتاج لعمل تنموي شاق واستثمارات ضخمة وكذا لرفع
مستوى الأجور ومتوسط الدخل.
ويؤكد أن اليمن متأثرة فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية الألفية بشكل عام وهذا ناتج عن قصور في
الأداء وفي حجم الموارد المتاحة التي تخصص وتوفر لهذا الجانب.
ويشير إلى أن أهم الأسباب يرجع إلى الدخل الفردي السنوي للفرد اليمني ونظرا لارتفاع الأسعار
ومعدلات التضخم وانحدار فرص العمل هذا كان له اثر بالغ في تراجع دخل الفرد والذي يعتبر من
المقاييس الرئيسية للتقدم التنموي والاقتصادي.
تباينات
طبقاٍ لمدير عام التوقعات والدراسات الاقتصادية فإن متوسط دخل الفرد المتدني مقارنة بالكثير من
بلدان العالم إلى جانب المؤشرات المتعلقة بالنوع الاجتماعي ومساهمة المرأة في التنمية ما تزال
محدودة ولذلك فإن مثل هذه المؤشرات تؤثر على التصنيف العام لدخل المواطن وتأثير النمو
الاقتصادي عليه.
ويوضح حدوث تغيير في المنهجية العامة المعتمدة في التقارير المرتبطة بتقييم الوضع التنموي
ووضعية الموارد البشرية أهمها الاعتماد الرئيسي في استخدام الوسط الحسابي المركب بدلا عن
الوسط الحسابي البسيط الذي كان يتم العمل به في التقارير السابقة .
إلى جانب مؤشر التنمية المتعلق بدخل الفرد تغيرت في هذا الخصوص منهجية هذا المؤشر حيث
كان من فترات سابقه هناك حد أدنى في حدود مابين 300 دولار إلى 40 ألف دولار لكن الآن يتم
احتساب أعلى دخل للفرد مثلا ما يحوزه الفرد في دولة مثل الإمارات والذي يصل لحوالي 100 ألف
دولار وأقل دخل يحوزه أي فرد من الدول.
ويقول إن تغيير هذه المعاير وخصوصا في الدخل أثرت على وضع اليمن وعلى هذا الأساس
تراجعت اليمن في تقرير الدولية المرتبطة بقياس مستوى التقدم التنموي .
إشكاليات
الدكتور محمد يحيى رئيس قسم العلوم المالية والإدارية بجامعة ذمار لديه رؤية عميقة في هذا
الخصوص حيث يرى أن الاقتصاد الوطني يرزح تحت وطأة إشكاليات انتشار الأمية ونقص
المقومات الهيكلية ومحدودية النشاط الصناعي وقصور الموارد المالية وانخفاض مستويات الادخار
وارتفاع معدل النمو السكاني الذي يصل إلى 3.02% وهو ما يظهر عدم قدرة معدل النمو الحقيقي
للناتج المحلى الإجمالي على الحد من الفقر.
ويشير إلى أنِ هامش النمو الاقتصادي المعروف بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى لم يتجاوز
0.8% وهو أقل من المستهدف إذ يتراوح بين 1.2-1.7% سنوياٍ إضافة إلى وجود معدلات
مرتفعة للتضخم تلتهم أي نمو في الدخل الفردي
ويقول إن الاقتصاد اليمني لا يزال يصنف ضمن البلدان العشرين الأقل نمواٍ في العالم نتيجة
محدودية إمكانية موارده البشرية (الماهرة أو المؤهلة) والمؤسسية وما ترتب عليه تدني الإنتاجية
وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة بالإضافة إلى أن الفرد العامل يعيل أكثر من أربعة أفراد في
المتوسط وبالمعيار الاقتصادي تعتبر اليمن من البلدان النامية ذات الدخل المنخفض جداٍ حيث لا
يتعدى معدل إنفاق الفرد اليومي أقل من دولار .
عدم استقرار
ويضيف أن الخطط التنموية التي ننفذها قد عفا عليها الزمن بالإضافة إلى أن الاقتصاد اليمني يعاني
من عدم استقرار الأسعار حيث انه لوحظ بأن السياسات السعرية في الاقتصاد اليمني ليست تمييزية
لصالح المستهلكين وقطاعات الاقتصاد القومي فضلا عن ذلك يظهر أن الارتفاعات السعرية قد أدت
إلى ظهور التضخم المستورد في البلاد ولذلك فإنه لابد من مراجعة السياسات السعرية وخاصة فيما
يخص السلع الأساسية وخاصة أسعار السع التموينية كالحبوب والمواد الغذائية الأساسية والتي يعاني
منها المستهلك في الوقت الحاضر كون متوسط الدخل الفردي منخفضاٍ وعليه فإنه يتطلب للسياسات
السعرية توفير الحد الأدنى من البيانات والمعلومات عن السوق ومن خلال تلك البيانات يمكن التنبؤ
بالبيانات للتقييم والتحليل حتى تستطيع الإدارة اتخاذ القرارات وفقا لتلك المؤشرات.
مسارات جديدة
تمر اليمن حالياٍ بلحظة تاريخية غير مسبوقة مدفوعة بقوى اجتماعية عديدة تطالب بتغيير بنيوي
عميق يستهدف إحداث نهضة تنموية شاملة للتصدي لمشاكل البلد الرئيسية المتمثلة بالفقر والبطالة.
وفي هذا الصدد يرى خبراء أن اليمن تحتاج لنموذج جديد للتنمية للفترة القادمة وفقاٍ لشكل الدولة
الذي سيحدده مؤتمر الحوار الوطني .
وتولي مسارات التنمية الجديدة وفقاٍ للواقع الجديد أهمية أكبر لقضايا الحوكمة الديمقراطية والعدالة
الاجتماعية والعمل اللائق.
ويرى خبراء أن مفهوم التنمية الجديد لا يجب أن يتعامل مع قضية الاستقرار من منظور أمني
فحسب وفوق كل شيء لا ينظر إلى التقدم من منظور منفعة السلع والخدمات (مثل نمو معدل نصيب
الفرد من الدخل) وإنما من خلال القدرات الجوهرية التي تمكن المرء من اختيار حياة يعتبرها ذات
قيمة.
وفي نظر العديد من الخبراء فإن الدولة التنموية قادرة على تحويل الإمكانيات الهائلة والموارد
الطبيعية على المستوى المحلي إلى قاعدة لنمو استيعابي لا إقصائي يحترم حقوق الإنسان ويحد من
الفقر ويخلق فرصاٍ للعمل اللائق وكذلك في الإنفاق الاجتماعي استثمار حقيقي في المستقبل.
مؤكدين أن اليمن أغنى مما آلت إليه تنميته. وعليه تكمن المهمة الأساسية للدولة التنموية في
الاستثمار في مواطنيها.
ولتحقيق ذلك فإن المطلوب إصلاح السياسات الاجتماعية الراهنة وتطوير خطط تنموية قومية
رصينة تركز على السياسات الصناعية والزراعية والتجارية وزيادة إنتاجية العمل وتحديد
أولويات الاستثمار في قطاعات ومشروعات تضمن استدامة القاعدة الاقتصادية والبيئية .
وفي هذا السياق فإن جوهر التنمية الحقيقية في العصر الراهن تتركز في التحول إلى الأسواق «
الحرة» بعد عقود من اقتصاد مركزي الإدارة ارتبط به عقد اجتماعي يتسم بضعف المشاركة
السياسية ومشروعات تنمية وطنية فاشلة. وللأسف انعكس الفساد الذي اتسمت به البنى السياسية
على تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي مما أثر سلباٍ على الهياكل الاقتصادية التنموية.
وأدى التطبيق السيئ وسوء إدارة سياسات الإصلاح الاقتصادي الشامل إلى هدر الإمكانيات الهائلة
لإنجاز تنمية اقتصادية استيعابية وحرمان غالبية المجتمع من حقها في التنمية.
