هدير محمود
لا يزال التعنت والإصرار الأعمى للسعودية يزيد الأزمات الاقتصادية داخل العديد من بلدان العالم، حيث تأتي أزمة أسعار النفط لتكون مثالًا على هذا التعنت، الذي يعود بالضرر على جميع الدول المنتجة للنفط، بما فيها السعودية، ففي الوقت الذي تجري فيه بعض الدول محادثات ماراثونية من أجل تثبيت إنتاج النفط؛ لوقف تدني الأسعار والتقليل من تخمة المعروض في الأسواق، تخرج السعودية لتعلن زيارة إنتاجها، في موقف يزيد الأزمة تعقيدًا.
كشف التقرير الشهري لمنظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك” أن إنتاج المنظمة التي تضم 14 عضوًا ارتفع لمستوى قياسي في الشهر الماضي، مما يؤكد أن فائض المعروض العالمي قد يستمر في العام المقبل، وأضافت المنظمة في تقريرها أن السعودية رفعت إنتاجها النفطي إلى مستوى قياسي في يوليو الماضي، وهذا مؤشر على أنها ما زالت تركز على الحصة السوقية بدلًا من حل مشكلة تخمة المعروض. وأظهرت الأرقام التي قدمتها السعودية لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك أن المملكة، أكبر مصدر للنفط في المنظمة، ضخت 10.67 مليون برميل نفط يوميًّا في يوليو الماضي، وهو ما يزيد على إنتاج المملكة في يونيو الماضي، حيث ضخت 10.55 مليون برميل يوميُّا في يونيو الماضي، كما أنه يزيد عن المستوى القياسي السابق الذي بلغه في يونيو 2015م، عند 10.56 مليون برميل يوميُّا.
ويبدو أن الرياض مصرة على ممارسة سياسة التعنت، التي تعود بالخسارة عليها وعلى الدول الأخرى المنتجة للنفط، وعلى رأسها فنزويلا، التي تعاني من مشاكل اقتصادية حادة، حيث تصر المملكة على إبقاء أسعار النفط منخفضة من خلال رفع إنتاجها من براميل النفط، على الرغم من أن الاقتصاد السعودي يرتكز أساسًا على العائدات النفطية بدرجة كبيرة، حيث أدى تدني الأسعار إلى الإضرار باقتصاد المملكة، وهو الأمر الذي اتضح من خلال خفض الرياض للإيرادات الحكومية العام الماضي، ودفع المملكة لتسجيل عجز في الموازنة قارب 100 مليار دولار العام الماضي، وهو ما جعلها تبحث عن سبل جديدة لزيادة الإيرادات، وكانت آخر الإجراءات، من خلال مبادرة قدمتها وزارتا المالية والاقتصاد والتخطيط لتعزيز الإيرادات في عصر النفط الرخيص، رفع مجلس الوزراء السعودي، الاثنين الماضي، رسوم التأشيرات والمخالفات المرورية.
اللافت للنظر أن هذا التعنت السعودي لم يكن وليد اللحظة، حيث إن المملكة تمارس هذه السياسة منذ اجتماع الدوحة في 17 إبريل الماضي، وهو الاجتماع الذي طالبت فيه الدول المنتجة للنفط من الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة “أوبك” تجميد الإنتاج عند مستويات شهر يناير الماضي؛ لتتمكن من رفع الأسعار المتدنية والتخلص من التخمة المعروضة في الأسواق، لكن هذه الدول فشلت في التوصل إلى اتفاق؛ بسبب الخلافات والتعنت بين الدول داخل المنظمة، وعلى رأسها السعودية وإيران.
يأتي تقرير منظمة “أوبك” بعد أيام من توارد أنباء تفيد بالعمل على الترتيب لاجتماع جديد بين الدول المنتجة للنفط لدعم الأسعار، حيث قال الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إن وزير النفط في بلاده “إيولوخيو دل بينو” تحدث مع الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، محمد باركيندو، للعمل على ترتيب اجتماع جديد بين الدول المنتجة للنفط لدعم الأسعار، وأضاف مادورو، الخميس الماضي “نحن نبذل جهودًا لعقد اجتماع جديد قريبًا بين أوبك والمنتجين من خارجها وعلى رأسهم روسيا، من أجل استقرار السعر”.
في ذات الإطار ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن السعودية خفضت سعر بيع خامها العربي الخفيف للعملاء الآسيويين شهر سبتمبر المقبل إلى 1.30 دولار للبرميل بخصم دولار و10 سنتات عن متوسط خامي سلطنة عمان ودبي، وفي الوقت نفسه خفضت المملكة الأسبوع الماضي أسعار الخام لآسيا، وذلك من أجل تعزيز القدرة التنافسية للمملكة في مواجهة لاعبين آخرين من الشرق الأوسط وأوروبا في السوق الآسيوية، ويأتي ذلك في الوقت الذي تتنافس فيه المملكة مع كل من روسيا وإيران والعراق على الأسواق الآسيوية، فقد اعترفت السعودية مؤخرًا بصدارة العراق في الإمدادات النفطية للهند خلال الربع الثاني من العام الجاري، الذي باع للهند نحو 11 مليون طن من النفط، بزيادة قدرها 1 طن عن إمدادات المملكة النفطية للهند خلال الفترة المذكورة، وشكل النفط العراقي نحو 20 % من واردات الهند في الربع الثاني ارتفاعًا من 16 % قبل عام، فيما هبطت حصة المملكة العربية السعودية في السوق الهندية خلال تلك الفترة إلى نحو 18 % من 20 % العام الماضي؛ مما يجعل العراق متفوقًا على المملكة للمرة الأولى.
في الوقت نفسه تتنافس السعودية مع روسيا على أسواق الصين، حيث أفادت بيانات الجمارك الصينية بأن روسيا أزاحت السعودية من الصدارة في إمدادات الخام لبكين خلال الأشهر الأخيرة، ففي يونيو الماضي ارتفعت صادرات روسيا النفطية إلى الصين بنسبة 9%، أي ما يصل إلى 4 ملايين طن، بينما تراجعت الصادرات السعودية لهذا الشهر بنسبة 14% إلى 4.6 مليون طن من النفط.
*كاتبة صحفية مصرية (البديل)