الغربي عمران
“مفهوم الأدب والنقد عند محمود أمين العالم” كتاب صادر للدكتورة انتصار البنا. عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. تناولت فيه آراء العالم من المدارس النقدية.. كما تناولت أطروحاته ومفاهيمه للنقد والأدب. هذا الكتاب من الكتب القليلة التي تعنى بالبحث في مناحي النقد وأعلامه في الوطن العربي .. ولذلك نجد أنه إضافة نوعية للمشهد النقدي العربي. التي تشير إلى علم من أعلام النقد والفكر.. فقلة من يبرزون في هذا المجال رغم ازدحام جامعاتنا من ذوي الاختصاص الأدبي والنقدي .
هذا من جهة .. ومن جهة أخرى نجد أن الدراسات النقدية الجادة قليلة جدا.. نسبة إلى النتاج الإبداعي المتزايد.. من الإصدارات السنوية.. وان وجد فان معظمه نقد لا يرقى إلى الإبداع المتجدد. ولا يتناسب مع الكم أو الكيف .. وخاصة الأدبي من شعر وسرد وغيره في أقطارنا العربية. كتاب البناء خطوة مهمة نتمنى أن يكون ضمن مشروع نقد متواصل.
إذاً ،نحن أمام كتاب يدور حول فكر الراحل الكبير محمود أمين العالم النقدي ومواقفه ومفاهيمه من قضايا أدبية ونقدية . حيث يبدأ الكتاب بتقديم للدكتور شكري عزيز ماضي.. نقتص بعض ما جاء فيه “هذا بحث مهم وصعب وشائك إذ يقف عند واحد من أعلام النقد العربي الحديث, هو الناقد الرحل محمود أمين العالم, ليستخلص مفهومه للأدب ودوره وعلاقاته وأبعاده , ومن ثم منهجه النقدي وما ينطوي عليه من أبعاد فلسفية وأدوات وخطوات إجرائية ومعيارية” وذلك القول حول كتاب البنا لا يحتاج إلى تعليق.
ثم مقدمة المؤلفة التي أوضحت فيها الهدف من تأليف كتابها هذا, وهو الكشف الذي قدمت فيه فكر الراحل الكبير أمين العالم حول الأدب والنقد.. مصادره وأدواته.. فلسفته الأدبية وموقفه من المناهج النقدية الحديثة.. وأثر انتماءه الأيدلوجي على رؤيته للأدب والنقد… إلخ ما تناولته الكاتبة حول هذا العلم.
جاء بعد ذلك تمهيد اًحاولت من خلاله الكاتبة تقريب مفهوم الأدب والفن والإبداع بصورة مختصرة.. لتلج بعد ذلك في متون أبواب وفصول الكتاب.. الذي جاء في بابين.. الباب الأول بعنوان: مفهوم الأدب. ثم قسمته إلى فصلين الفصل الأول: مصدر الأدب وماهيته.. بداية بالواقع كمصدر أساسي يستمد منه الأدب مادته وموضعه عند محمود أمين العالم . ثم تجربة الأدب وخبرته التي يكتسبها الأديب في مسيرة حياته,إضافة إلى ملكات الأديب وذاتيته. ثم مواضيع الحياة التي ينهل منها الكاتب أفكارا وقضايا يعالجها في أشكال أدبية بعد أن يختارها لنصوصه.
ثم تحدثنا الكاتبة في مبحثها التالي عن ماهي الأدب. وتقول في مستهل هذا التناول”ليس من السهولة بمكان صياغة تعريف شامل مانع للأدب” ثم تقدم مفهوم العالِم لماهيته “الأدب عمل منتج دال مشروط اجتماعي وتاريخي بملابسات نشأته وبفاعليته الدلالية …” شارحة مفهومه للأدب كمنتج مشروط اجتماعي.. لتصل بنا إلى ماهية الأدب كتعبير عن الوعي .. وعي الكاتب ووعي المجتمع .
ثم تأتي الكاتبة بعنوان فرعي في الفصل الأول “الأدب قانون كاشف” وتورد ما رأي العالم حول ذلك القانون ” التعبير عن كل ماهو جوهري.. في حركة الواقع الحي” باحثا في قراءته النقدية عن الجوهر في كل عمل أدبي.. أو قضية فكرية لا فكاك عن الشكل .. فالجوهر يأتي أولا ثم الشكل.
الفصل الثاني “وظيفة الأدب” توضح الكاتبة بأن الأدب ليس نتاجاً ذات منعزلة لدى محمود أمين العالم.. الذي يرى بأن الأدب عنصر فاعل مؤثر في حركة المجتمع, كونه يتشكل في كينونته من وعي خاص بالأديب, وينتج عن ملابسات اجتماعية وتاريخية عديدة. ثم تتناول الأدب والمجتمع . بداية بمصدر الواقع للأدب من خلال حضوره في وعي الأديب المعبر عن مجتمعه.
وفي مبحث تالي بعنوان “علية الأدب وغائيته” تستهل الكاتبة بقول العالم في هذا المنحى”علاقة الأدب بالمجتمع والأديب علاقة جديلة ومتشابكة تؤدي إحداها إلى الأخرى” وقد وردت رأيه في هذا الصدد”في الأدب قانونين أو مبدأين لا يتناقضان مع طابعه الإبداعي الخلاق, مبدأ العلية , الذي يعبر عن المصدر الاجتماعي للأدب, ومبدأ الغائية الذي يعبر عن الفاعلية المؤثرة للأدب في الحياة “. تعقب ذلك بعنوان”الدلالة الاجتماعية في الأدب” شارحة تلك الحرب التي استهدفت التوجهات الاجتماعية في النقد.. اثر ظهور التيارات الحداثية وهيمنتها على الممارسات النقدية.. وموقف محمود أمين العالم الذي ظل وفيا للاتجاه الاجتماعي في الأدب, والواقعية في كتاباته النقدية. ثم تبحث في علاقة الأدب بالمتلقي عند أمين العالم. من خلال تناوله النقدي لأعمال سردية عديدة وانتصاره لأن يكون الأدب معبرا عن قضايا الشعب .. والذي تناولته الكاتبة في مبحث بعنوان “الأدب موقف” موضحة توجه العالِم بضرورة التزام الكاتب حول قضايا مجتمعه، معتبرة أن كل عمل أدبي موقف .. وصورة من صور علاقة الأدب بمجتمعه وبمبدعه. وقد تناولت ذلك في عناوين تالية.. هي: التزام الأديب تجاه مجتمعه, نماذج لمواقف أدبية, ثم فرعتها إلى فرعين:
أ- التعبير عن حقيقة المجتمع.
بـ -الأدب رفض وتغيير.
واختتمت الفصل الثاني من الباب الأول توجه محمود أمين العالم من خلال عنوان “دور الأدب في إطار السياق التاريخي” مخصصة الباب الثاني من الكتاب: لمفهوم النقد لدى العالم. ووزعته إلى فصلين .. الفصل الأول: ماهية النقد ووظيفته مجزئة ذلك إلى عدة عناوين: تمهيد. 1 -المرتكزات الفرية لمفهوم محمود أمين العالم للنقد. 2 -البعد الفلسفي لمفهوم محمود أمين العالم للنقد. 3 -البعد الإيدلوجي لمفهوم محمود أمين العالم للنقد.
ثم تناولت المواضيع التالية: وظيف النقد الأدبي. 1 -الشكل والمضمونة. 2-الثورة والتجديد في الأدب. 3 -غاية النقد.
الفصل الثاني من الباب الثاني جاء بالعناوين التالية: منهج محمود أمين العالم النقدي. موقف محمود امين العالم من المدارس النقدية الحديثة. 1 -مدرسة النقد النفسي الجديدة. 2 -الهيكلية/ البنيوية. 3 -مدرسة النقد الاجتماعي الجديد. 4 -البنيوية وما بعد البنيوية.
وأخيراً : ممارسات محمود أمين العالم النقدية
لتأتي بخاتمة لخصت فيها الكاتبة أهم النتائج التي خرجت بها في ثلاثة وعشرين نقطة حول فكر محمود امين العالم أدبيا ونقديا.. ومن تلك النقاط: الاتساق بين مفهومي الأدب والنقد وتبنيه للمنهج الواقعي, والواقعية الاشتراكية تحديدا باستناده في رؤيته إلى خلفيته الماركسية ومنطقه الجدلي. رؤيته في أن لكل عمل أدبي قانون خاص به.. كعمل قائم بذاته.. وان الأدب كل الأدب موقف تجاه الواقع الذي يعبر عن هوية المجتمع. وأن النقد ظاهرة معرفية ببعد ايدولوجي وفلسفي. وان على النقد أن يسير موازيا للأدب في الحفاظ على الهوية, وينطلق العالِم من منظوره الخاص في النقد، معتبرا أن لكل نص طبيعة خاصة تحتاج من الناقد إلى أدوات خاصة لاستبطانه.
متبنيا في أعماله النقدية المنهج الجدلي المنطلق من النص الأدبي ذاته….
كتاب مهم.. يقدم لنا فكراً ومنهجاً ورؤى أحد أعلام النقد في وطننا العربي. شكرا دكتورة انتصار البنا .. ونرجو ألا يقف مسيرك النقدي.. فنحن ننتظر جديدك . مع فائق تقديرنا.
Next Post