الصراري جرح جديد في الجسد اليمني
أ.د. عبدالعزيز بن حبتور
لكي نفهم القصة عن قرب علينا ان نعرف حكاية الأسر التي سكنت هذه القرى، فالمكان عبارة عن مُنحدر في سفح جبل صبر بُني عليه عدد من القرى المتناثرة ويقطنها العديد من الأسر اليمنية المتجاورة والمتآخية منذ أزمان بعيدة، سَكَنت بها أسر يمنية مترجلة ومتنقلة كحال العديد من الأسر اليمنية منذ قرون خلت، وهنا بالتحديد سكنت الأسرة الهاشمية الكريمة من آل الجنيد التي وفدت إلى المكان قادمة من وادي حضرموت شرق اليمن قبل ما يزيد عن ستة قرون بحسب من التقيناهم من أبنائها المهتمين والمتخصصين وبحسب إفادات الرواة أيضاً، وكغيرها من الأسر اليمنية المتنقلة بين منطقة وأخرى باعتبار أن الأرض هي أرض مُشاعة لجميع اليمنيين ، كما وفدت إلى هذه المنطقة أسرة آل السروري الهاشمية القادمة من جبل السريرة من مضارب الصبيحة في جنوب اليمن ، وهي الأخرى حالها حال كل الأسر المتنقلة بين حاضرة يمنية وأخرى على امتداد طول وعرض اليمن.
كلتا الأسرتين إستقرتا في هذه المنطقة وطاب لها المقام هنا قبل قرون من الزمان، وهما بالمناسبة تنحدران من الطائفة الإسلامية السنية الشافعية، وأختار السلف منهم منهج المدرسة الصوفية المعتدلة بكل تعاليمها وطقوسها الدينية المعروفة، وتتموضع جغرافيتها في قلب تجمع سكني مدني مسالم، بمعنى انها ليست في خط التماس الجغرافي السياسي أو العسكري أو القتالي.
هذه هي القصة السردية لقُرى وعُزل الصراري بإيجازٍ شديد ، لكنها كغيرها من الأسر والمناطق والقبائل اليمنية التي رفضت العدوان البربري لدول حلف العدوان بقيادة السعودية ، وهنا معنى القصة التي بدأنا بها المقال ، وقد يكون عدد من أُسر آل الجنيد وآل السروري ارسلت من أبنائها إلى جبهات القتال للدفاع عن كرامة وعزة أرض اليمن وشعبها الكريم في وجه العدوان، وربما حدد عددٍ من شيوخها ووجاهاتها السياسية والاجتماعية موقفاً مسانداً مع الجبهة الوطنية الداخلية بقيادة المؤتمر الشعبي العام وحزب أنصار الله ( الحوثيين )، كل ذلك ممكن خاصة بعد ان شطّر جريمة العدوان الهمجي ( السعودي، الإمارتي والتمويل المالي القَطري المُدنس ) الشعب اليمني إلى شطرين :
الشطر الأول : هي تلك القوى السياسية المناهضة للعدوان وفي مقدمتها أنصار الله الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام وبقية القوى الشعبية الصامدة ضد العدوان، وهذه القوى تعيش في حاضن اجتماعي شعبي مقاوم.
الشطر الثاني: هي القوى التي بررت للعدوان السعودي حربه وجريمته ، وساعدته بمجاميع المرتزقة ، كالتجمع اليمني للإصلاح ( الأخوان المسلمين ) وقيادات بقايا متناثرة من الإشتراكيين، الناصريين، البعثيين والحراك الجنوبي وحكومة(الشرعية المهاجرة ) بالرياض، ومقاتلي وحدات عسكرية مٰنظمة من داعش والقاعدة والسلفيين ٠
مُنذ عام ونيف وهذه القرى مُحاصرة من المجاميع المسلحة الداعمة للعدوان ، وفي يوم الثلاثاء بتاريخ 26مارس2016م فجراً اقتحمت المجاميع المسلحة قرى الصراري وتناقلت وسائل الإعلام الحدث بطريقتين فقناة الجزيرة القطرية والعربية الحدث السعودية ومشتقاتها اعتبرت الاقتحام انتصاراً للجيش اليمني (الوطني) الممول من قبل دول التحالف بقيادة السعودية ، وانه حدث تطهير وتصفية للقوات الحوثية الروافض والمجوس وان (الحُسينية) الوحيدة ويقصد به مسجد القرية تم تدميرها وبذلك انتهت رمزية ( مران التعزية ) والى الأبد ، وبالمقابل تواردت الأنباء من القنوات اليمنية كقناة اليمن الفضائية من اليمن ، ومن قنوات اليمن اليوم والمسيرة والساحات ومواقع التواصل الاجتماعي نقلت الآتي :
تم اقتحام قرى الصراري وقتل عدد من المواطنيين المدنيين من آل الجنيد وآل السروري وخطف العديد من أُسرهم من نساء وأطفال وشيوخ وتدمير مسجد الولي/ جمال الدين الجنيد الصوفي الذي يعود عمره إلى 500عام ، وتم نبش قبره الطاهر وإحراق رفاته ، وإحراق المكتبة الصوفية الوحيدة بالقرية وإحراق خمسين منزلاً، ونهب كل ممتلكات هذه القرى بما فيها المواشي من الأغنام والعجول أما الأبقار الكبيرة فكانوا يرموها حيةٍ من على سفوح الجبال وهذه المعلومات سمعناها مباشرة من شهادات حيةٍ من المواطنين هناك ، وللتذكير وقبل أشهر مضت فإن الرأي العام اليمني والعربي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية يتذكرون بحسرة ووجع لما وقع من عمل إجرامي وإرهابي بحق أسرة الرميمة الهاشمية الكريمة في ذات المحافظة المنكوبة .
لم نكتف بما تناولته وسائل الإعلام ولا شبكات التواصل الاجتماعي ، بل ولمزيد من التأكيد فإنني قمت بالتواصل مع العديد من الشخصيات الإعلامية والثقافية الاجتماعية والسياسية القريبين من الحدث والموقع وأكدوا صحة هذه الأخبار٠
إذاً ما هي الأهداف المتوخاة من اختيار قرى الصراري لارتكاب جريمة دول العدوان ومرتزقتهم وما هي التداعيات اللاحقة من هذا الفعل القبيح :
الهدف الأول :
هو إحداث فتنة طائفية وعرقية قادمة مقيته ، يُراد لها أن تستمر حتى بعد طَي صفحة العدوان، وإدخال عنصر الصراع الدموي التصفوي بين الأسر الهاشمية الشريفة وبقية القبائل والتجمعات السكانية.
الهدف الثاني :
هو تذكيرنا جميعاً بأن تدمير الأضرحة لأولياء الله الصالحين هي منهج اعتمده غُلاة التطرف والتشدد من حاملي (جرثومة) فكر التطرف الوهابي الإرهابي لم ولن تتوقف عند مدينة أو قرية أو حتى في الخلي الخالي، وانها رسالتهم و( عقيدتهم ) في تدمير كل ما له صلة بتراثنا الإسلامي الصوفي في كلٍ من عدن ولحج وشبوة وحضرموت وتعز .
الهدف الثالث :
دول العدوان تبحث عن نصر معنوي إعلامي ، كونهم يُهزمون في كل جبهات القتال وتتلقى الهزائم المميته في كل مناطق التماس ، وفي عمق جبهة الأراضي السعودية، ولهذا بحث المرتزقة عن جبهة مدنية لتحقيق نصر معنوي، ولكنه للأسف نصرٌ على النساء والأطفال والشيوخ في ( جبهة ) قرى الصراري .
الهدف الرابع :
حينما يتم الانقضاض على القرية الصغيرة ويتم توجه المقاتلين ( الأشاوس ) ونبش قبر احد رموزها الدينية الصوفية وإحراق رفاته ، والتوجه نحو المكتبة الصوفية الوحيدة بالقرية وإحراقها ، هذا يهدف إلى تعميم ونشر المذهب الوهابي لقادم الأيام في كل الوطن ، لأن مُعتنق ذلك الديانة يتوهم بأنه الخلف النقي للسلف الصالح والمكلف بنشر الدين القويم !!! ، هذا الحدث الأليم يذكرنا بتاريخ اجتياح بغداد عاصمة الخلافة العباسية حينما انهزم جيش المسلمين على أسوار بغداد ودخل التتار وأحرق مكتبات وكتب المسلمين عالية القيمة ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، وحُزني على يومي كحزني على أمسي .
الهدف الخامس :
إرسال رسائل تخويفية واضحة لكل المناطق والمدن والقرى بأن من يقف ضد العدوان ومرتزقته المأجورين ، ستتم معاملته بتلك الطرق الوحشية البربرية ، وشاهدنا معاً قبل أشهر خلت في شوارع مدينة تعز بأنهم يرقصون فرحاً ويهللون طرباً ، وهم يسحلون جثامين خصومهم بواسطة السيارات والدراجات النارية بين الأزقة والحواري والطرقات العامة ، ولاقى بعض جنود الجيش واللجان التمثيل الوحشي بأجسادهم الطاهرة ، والهدف من كل ما ذُكر هو إدخال الخوف والرعب في قلوب مخالفيهم حتى وان سلموا أنفسهم .
الخلاصة مما سبق فهذه الحرب العدوانية البشعة التي نفذتها وقادتها المملكة السعودية بكل جبروتها وعدتها ونفوذها المالي الهائل وإستأجارها لطابور طويل من المرتزقة القدامى منهم والجدد قد خلقت واقعاً جديداً على الأرض وفي وعي ووجدان اليمنيين جميعاً ، والمواطن البسيط الذي نظر ذات يوم بانبهار جم للعديد من الشخصيات السياسية والثقافية والحزبية ، والتي كانت تحرص على الظهور المتكرر من على الشاشة الفضية ومن على صفحات الجرائد اليومية ، وعبر الأثير للتعبير ( والحذلقة الكلامية ) لتوجيه الرسائل والنصائح للشعب ، افتقدها اليوم ولم يعد يسمع لها ( نخس ) ولا صوت ، ويسأل أينهم من إدانة العدوان؟.
أينهم من كل الجرائم التي تحدث في قُرى الصراري وفي تعز وفي عدن وصنعاء ومارب والحديدة وشبوة وذمار ؟ أينهم من قصف طيران العدوان ومن غدر المرتزقة بالداخل؟
كيف سيجيبون على كل هذه التساؤلات المباشرة؟
وستظل مثل هذه التساؤلات سهاماً نارية موجهة لذوي الضمائر المُسترخية أو المحايدة من كل ما يحدث من نزيف في الجسد اليمني المُثخن بالجراح ، والله أعلم منا جميعا.
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
محافظ محافظة عدن