اسكندر المريسي –
لم يكن فوز مادورو في أول انتخابات رئاسية شهدتها فنزويلا بعد رحيل الزعيم تشافيز أمراٍ مفاجئاٍ على اعتبار أن الشعب الفنزويلي صوت يوم أمس لمادورو دون غيره من المنافسين كتجسيد عملي لقيم الوفاء للتجربة الثورية التي أرسى معالمها تشافيز خاصة والرئيس الجديد المنتخب مادورو ليس وجهاٍ غريباٍ في العملية السياسية بفنزويلا ولكنه أحد أهم مهندسي تلك التجربة ولم يكن بمثابة المساعد الوفي للرئيس الراحل فحسب ولكنه كان ساعده الأيمن والوجه الحقيقي المكمل للنهج السياسي الذي خط معالمه مؤسس فنزويلا الحديثة.
لذلك كان من الطبيعي أن تصوت فنزويلا لذلك النهج التحرري الثوري انطلاقاٍ من إعطاء التجربة السياسية الفنزويلية قوة دفع جديدة بوصول مادورو إلى سدة الحكم كشخصية سياسية لها خبرة ومهنية عالية بدليل أنه قبل وفاة تشافيز أوصى بانتخاب مادورو لرؤيته المسبقة في قدرته على إدارة نظام الحكم بغض النظر عن المعارضة التي كانت أيضاٍ في عهد الرئيس الراحل تعارض نهج تشافيز أكان ذلك في مجال الاصلاحات السياسية الداخلية أو في مجال العلاقات الخارجية بالنسبة لسياسة فنزويلا مع دول العالم.
ومادورو شغل منصب الرئيس بمثابة النائب غير المعلن لتشافيز أثناء فترة توليه إدارة نظام الحكم في فنزويلا وكان في طليعة الذين قادوا المسيرة الشعبية الكبرى ضد الانقلابيين وإعادة الرئيس تشافيز من منفاه ليحكم فنزويلا ضمن ولاية رئاسية جديدة وبالتالي فإن استحقاقات فوز مادورو لها خلفيات نضالية وإسهامات بارزة في تأسيس نظام الحكم السياسي في فنزويلا.
فالرئيس الفنزويلي المنتخب الجديد لم يكن وفياٍ لشخص تشافيز فقط وإنما كان كلاهما كما أشرنا قد شكلا ثنائياٍ مشتركاٍ حتى أن قرارات التحول التي شهدتها فنزويلا كانت إسهامات مادورو بارزة فيها لذلك فإن فوزه بالانتخابات كانت أيضا له صلة وثيقة بوفائه كرجل دولة لفنزويلا الحديثة والمستقلة لكي تستمر في مواصلة البناء الاقتصادي والسياسي وقد أظهرت الانتخابات التي جرت أمس تماسك الجبهة الداخلية وكذلك تفاعل اليسار الثوري الذي قاد الحركة الشعبية ضمن اصطفاف جماهيري واسع مع مادورو وقد عبرت مراكز استطلاع للرأي في العاصمة كراكاس قبل أيام من إجراء الانتخابات بأن فوز مادورو يؤكد عودة تشافيز من جديد.
مما فوت فرص المناوئين لتجربة فنزويلا عندما اعتقدوا أن تلك التجربة قد أسدل عليها الستار برحيل تشافيز وأن الفرصة السانحة ضرب أي مقومات لتلك التجربة من خلال الانتخابات عندما جري تحالف المعارضة مع بعضها البعض لكنها لم تشكل رقماٍ حقيقياٍ وإنما أظهرت تماسكاٍ أقوى للاصطفاف الشعبي الذي صوت لمادورو من أجل فنزويلا كدولة مستقلة وكذلك أيضا من أجل استمرار التجربة تطويراٍ لأبعادها السياسية والاقتصادية وليس ذلك فحسب وإنما يعتبر مادورو أحد أهم منظري الحركة اليسارية الشيوعية لفنزويلا وله آراء عدة في نقد الاقتصاد الرأسمالي وفي إخفاقات الامبريالية.
لذلك ترى الصحافة الفنزويلية أن فنزويلا ستشهد نهضة جديدة تطويراٍ لنهضتها الحالية وكتبت إحدى تلك الصحف في افتتاحيتها الرسمية تحت عنوان فنزويلا والانتخابات.. مزيداٍ من النهضة وكثيراٍ من الاستقلال والتماسك والاصطفاف الشعبي مع مادورو لتفويت فرص محاولات إجهاض تجربة فنزويلا الحديثة خاصة ومادورو كثاني رئيس منتخب لفنزويلا بناءٍ على الأحكام المبنية على دستورها الوطني لم يكن مجرد وزير سابق في الحكومة التي شكلها الرئيس الراحل تشافيز وإنما كان سياسياٍ بارزاٍ وقانونياٍ في لجنة إعداد الدستور إضافة إلى ذلك ساهم بشكل واضح في كثير من الاصلاحات التي شهدتها فنزويلا أكان ذلك في مجال السياسة المحلية أو في مجال السياسة الخارجية وبالتالي فإن مادورو وإن كان لا يحظى بنفس شعبية الزعيم تشافيز لكنه على ارتباط وثيق بالشعب الفنزويلي فضلاٍ عن كونه لم يأت من خارج ترتيبات الدولة الحديثة في فنزويلا وإنما كان مشاركاٍ في صناعة تلك الترتيبات وكذلك في بناء أسس ومرتكزات ما كان يرى فيه استقلالية المشروع الوطني لفنزويلا شرطاٍ أساسياٍ لبناء الاقتصاد وهو ما يجعل من وصوله إلى أعلى مؤسسة سيادية دستورية قانونية وطنية متمثلة برئاسة الجمهورية عن استحقاق وجدارة.. بيد أن أي تجربة لا تخلو من شيئين أساسيين أهمية تحاشي السلبيات في تلك التجربة وإنهاء الذرائعية من مجاميع محسوبة على الليبراليين والذين يبالغون في تلك السلبيات من أجل إجهاض التجربة وإعادة فنزويلا إلى مرحلتي التبعية والارتهان للقوى الخارجية مما يوجب بروز تحديات لا خلاف عليها قد تواجه القيادة السياسية في فنزويلا بغض النظر عن طبيعة تلك التحديات ولكن تبرز جملة استفسارات أهمها عن قدرة القيادة السياسية في تجاوز الصعوبات وإنهاء التحديات وهذا يتوقف بدرجة اساسية على اهمية أدراك تلك القيادة للابعاد المحيطة في السياستين الاقليمية والدولية حول فنزويلا لذلك يرى بعض مراقبين أن الرئيس المنتخب ليس إلا استمراراٍ للتجربة السياسية التي قادها تشافيز نحو اعطاء اولوية لمسألتين أساسيتين التمسك الثابت بالقرار الوطني الفنزويلي المستقل بشقيه الاقتصادي والسياسي سيما والتجربة السياسية محكومة بذلك المعيار بدرجة اساسية ما يجعل من فرص نجاح القيادة السياسية الجديدة في تجاوز التحديات مسألة طبيعية لأن مادورو بغض النظر عن ملاحظات المعارضة واختلافه معها لكنه بالتأكيد ابن بار ومخلص لفنزويلا بشهادة الزعيم السابق وبالتالي فإن فرص نجاحه ممكنة.
وهو ما يوجب في برنامجه اعطاء بْعد عملي للتجربة التي كان جزءاٍ منها من خلال تعزيز الاصلاحات الاقتصادية ولا شك بأن الرئيس المنتخب لديه افكار جديدة جزء منها تم تطبيقه خاصة بشأن إعادة هيكلة وتثبيت الاقتصاد وفقاٍ لتحرر السياسة من أي بوادر للعامل الخارجي وكان دائماٍ ما يطرح مادورو اثناء فترة الزعيم الراحل تشافيز بأن فنزويلا هي معيار الاختلاف والاتفاق مع المعارضة فإن كان المعارضون مع التبعية والارتهان فإن فنزويلا لن تكون معهم إلا إذا كانوا مع استقلال قرار فنزويلا.
وفاز مادورو على منافسه مرشح المعارضة الفنزويلية هنريكي كابريلي بنسة 50.66% من أصوات الناخبين.