العودة القسرية إلى الحقول

موظفون وعمال مصانع هربوا  إلى الزراعة لتأمين لقمة العيش
■ مئات الأسر التي فقدت مصادر دخلها بسبب العدوان لجأت للزراعة

الفلاحون الجدد:
– فكرة اللجوء إلى الزراعة والاعتماد عليها أنقذتنا من المجاعة
– نواجه صعوبات في تسويق المنتجات بعد أن اغلق قصف العدوان الكثير من الأسواق
تحقيق / إدارة التحقيقات

قبل أن يدق العدوان طبوله كان أكثر من نصف سكان اليمن المقدر  بحوالي ثلاثة عشر مليون نسمة يقبعون تحت خط الفقر  منهم أكثر من مائتين وخمسين ألفاً  تحت خط الفقر المدقع ما يعني أن هؤلاء على بعد خطوة واحدة من المجاعة والذي يعني بالضرورة الموت جوعا للكثير منهم..
الآن وبعد مضي عام ونيف على العدوان الذي تسبب  بفقدان آلاف المواطنين لأعمالهم وبالتالي يكونون قد انضموا إلى من سبقوهم من الباحثين عن لقمة العيش بعيدة المنال وصعبة الحصول عليها، وبحسب تقديرات اقتصاديين  فإن أكثر من ثلثي السكان يجدون صعوبة في تأمين لقمة العيش وتلك الصعوبة تأتي بدرجات متفاوتة تصل إلى حالة العدم أو العوز الغذائي عند الكثير..
عدد كبير ممن تضرروا من العدوان بفقدانهم لأعمالهم لجأوا إلى الزراعة كحل إسعافي يمكنهم من ضمان استمرار بقائهم في الحياة.. التحقيق التالي يسلط الضوء على هذا التوجه ومدى جدوى العمل في هذا القطاع والصعوبات التي يواجهونها.. نتابع :

بمجرد قراءة أرقام وإحصائيات معاناة الشعب اليمني في مختلف المجالات فقط دون التعمق في دراسة تلك المعاناة فإنك ستصاب بالصدمة وقد تعتقد انك ترى الإنسان يعيش أسوأ مراحله التاريخية خصوصا وان من تستطلع أوضاعهم يعتبرون أصل البشرية وبتعبير آخر موطن الإنسان الأول وعلاوة على ذلك أصل العرب ومهد التاريخ والحضارة الإنسانية الممتدة منذ أن عرف الإنسان نفسه كمخلوق مخول ببناء الأرض وإعمارها …
وعلى الرغم من أن معاناة الشعب اليمني ليست محصورة في مجال محدد إلا أننا لن نتطرق هنا سوى لمعاناة الشعب الخاصة كأساسيات الحياة والمتمثلة بتوفير الحد الأدنى من الغذاء والماء والسكن ..فبحسب التقارير الدولية فإن أكثر من نصف السكان يقبعون تحت خط الفقر اي ما يزيد عن 13 مليون مواطن منهم -بحسب احدث المسوحات الوطنية- أكثر من 250 ألف مواطن يقبعون تحت خط الفقر المدقع والذي يعرف بأنه العجز التام عن الحصول على الحد الأدنى من أساسيات الحياة من الغذاء والسكن والمياه الصالحة للشرب والدواء .
تلك الإحصائيات المخيفة لأتمثل في الحقيقة واقع الشعب اليمني اليوم ، فالحرب الحالية التي وجد الشعب نفسه فجأة يقاسي آلامها ويتجرع كوارثها منذ أكثر من عام زادت الطين بلة وضاعفت من معاناته حيث تذكر تقارير دولية ان حوالي ثلثي السكان بحاجة ماسة لمساعدات عاجلة ..
الباحث الاقتصادي عمار اليافعي يعلق على هذه التقديرات ويقول ” في الحقيقة هذه التقديرات توضح لنا وجود أرقام جديدة في اليمن فيما يتعلق بالمستوى المعيشي للمواطن اليمني وهذا يعني أن  70 %من السكان  أي ثلثي الشعب  تحت خط الفقر العام والفقر المدقع وهذا بحد ذاته لا يمثل سوى نتائج أولية للعدوان الغاشم على اليمن.
ويعود هذا التوسع في دائرة الفقر إلى الركود الذي ضرب القطاع الاقتصادي والذي تسبب بمعاناة موظفي القطاع العام والخاص ففي العام الفائت تراجع مستوى دخل الفرد إلى مستوى متدني أما القطاع الخاص فقد توقفت فيه عدد كبير من الشركات عن العمل وبالتالي تعرض آلاف الموظفين للتسريح من أعمالهم وبحسب تقديرات أممية حديثه فإن حوالي70 % من موظفي القطاع الخاص فقدوا أعمالهم وبالتالي انضموا إلى مربع الفقراء والمعوزين .
نماذج حية
أديب عبدالغفور الصبري ..مواطن يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما ورب أسرة مكونة من أربعة أبناء كان يعمل في إحدى شركات الطلاء وبعد أن قررت الشركة وقف نشاطها بسبب الحرب و قامت بوقف رواتب الموظفين كليا وإعطائهم إجازة مفتوحة إلى حين يستقر البلد ..
الصبري يتحدث عن الحلول التي لجأ إليها بعد أن فقد مصدر دخله فيقول ” منذ حوالي ستة أشهر وأنا ابحث عن حل يغطي مكان الوظيفة التي فقدتها ومرت فترة وأنا عاجز عن إيجاد اي فرصة عمل ولو براتب ضئيل وهنا فكرت بأمر حراثة الأرض لتأمين لقمة العيش الضرورية ..
وأضاف قائلا: وعلى الرغم أن الأرض التي تمتلكها الأسرة ليست كثيرة لكننا قمنا بزراعتها بأصناف زراعية سريعة النمو وتكون قابلة لتكرار العملية الزراعية أكثر من مرة في السنة الواحدة .
وعن الصعوبات التي تواجه المتوجهين إلى هذا القطاع يقول ” بالنسبة للصعوبات فتتمثل بعدم وجود أسواق لبيع الإنتاج وذلك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في المدينة وكبديل لتلك الأسواق نقوم ببيعه في القرى والعزل عن طريق باعة متجولين يسوقون البضاعة أمام منازل السكان “.
عبدالكريم شمسان مواطن آخر من محافظة تعز يبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما وله من الأولاد سبعة.. ثلاثة منهم ذكور ..شمسان كان قد هاجر إلى المدينة قبل 22 عاما  من موطنه الأصلي حيث المدرجات الزراعية في مديرية  المسراخ تلعب دورا أساسيا في حياة الإنسان لكنه فضل التمدن على تعب الحياة الريفية ..الآن وبعد كل هذه المدة يعود إلى مسقط رأسه مكرها لا شوقا ولهفة فالرجل فقد محله التجاري بعد تعرضه للتدمير الكلي..
وعلاوة على ذلك كان يسكن في منطقة تماس ما يجعل حياة الأسرة في تهديد مستمر ففضل العودة إلى الزراعة ليؤمن قوت أسرته ..يقول شمسان ” امتلك أراضي زراعية لا بأس بها كنت قد ورثتها من والدي وبعد ان تقطعت بي السبل ولم أجد ما اقتات به أنا وعائلتي قررت اللجوء إلى الزراعة وبالفعل بدأت أنا وأولادي الثلاثة زراعة بعض الأصناف الزراعية كالثوم والبصل والكوسة والخيار والطماط وأصناف أخرى لا تخرج عن أصناف الخضروات ..وعند الحصاد نقوم بحفظ ما تحتاجه الأسرة ونبيع الباقي وقد لمسنا ثمرة توجهنا إلى الزراعة حيث أمنا لقمة العيش واستطعنا أن نوفر احتياجات كثيرة للأسرة كنا عاجزين عن توفيرها من قبل”.
عبدالباسط الحاج مواطن لا تختلف قصته عن أسلافه من حيث الجوهر لكنه اختلف عنهم في بعض التفاصيل ..يقول الحاج”: لم أفكر بالعيش في المدينة إطلاقا فأنا الرجل الوحيد في الأسرة التي تتكون من احد عشر فردا ثلاثة منهم أبنائي أكبرهم في سن السابعة وأخواتي الثلاث  إحداهن تعاني من إعاقة حركية بعد أن أصيبت قبل فترة بالشلل بالإضافة إلى والدي ووالدتي وجدي الطاعن في السن وأنا وزوجتي ..
ويتابع :في السابق كنت اعمل كسائق منذ بداية شبابي وبعد ان أصبحت الأمور صعبة لم اعد قادرا على مواصلة عملي هذا وبالتالي عجزت عن تأمين احتياجات الأسرة ..وكحل ضروري فكرت بزراعة الأرض لكن ما كان يعيقني هو أن اغلب الأرض التي امتلكها كانت مزروعة بشجرة القات وهذه الشجرة لم تعد مجدية بعد أن توقفت أسواقها ..فقررت اقتلاع شجرة القات وإحلالها بأصناف زراعية متنوعة منها خضروات وبعض أشجار الفواكه ..
وأضاف :وبعد مضي أكثر من نصف عام من البدء في هذا العمل استطعنا تحقيق مكاسب كبيرة أهمها أننا لم نعد قلقين على توفير لقمة العيش بذات الصورة السابقة وكذا نجني أموالاً لا بأس بها وهي قابلة للزيادة إذا ما وجدت أسواق لبيعها كون الأسواق السابقة لا تعمل بسبب تدهور الأمن في مدينة تعزو نزوح السكان من الكثير من أحيائها “.
ختاما..
فكرة اللجوء إلى الزراعة كحل واقعي لتأمين حياة الناس ليست مقصورة على أشخاص بعينهم أو لعدد يسير من الناس فالواقع يقول إن مئات الأسر لجأت إلى ذات الحل وعندما نقول مئات الأسر فإن ذلك يعني آلافاً بل عشرات الآلاف  من المواطنين الذين تضررت حياتهم ودخول أسرهم بسب العدوان قرروا الاعتماد على الزراعة في الوقت الحالي ..وقد ساعد هذا التوجه على تخفيف معاناة شريحة كبيرة من الناس كانوا سيعيشون حياة صعبة لولا توجههم نحو الزراعة  .

قد يعجبك ايضا