ن…..والقلم…صادق مهيوب …

عبدالرحمن بجاش
• وكلما أقرأ رسائله أحس بالوجع ألف مرة, وأموت مليون مرة, وصادق مهيوب هناك في وادي المدام حيث تركت نفسي عنده وذهبت, لم يبرح المكان, قالها لنفسه محدثا : لن أترك آثاري هنا وصاحبي, سأظل حارسا للمكان والزمان أحمل له ألف ذكرى وحب .
ما يزال صادق هناك في تعز وفيا للعهد, يحرس آثار أقدامنا الغضة, وأصواتنا العالية, وأحلامنا العادية: يا صادق لا نريد غير بوتي وكرة نلعب بها وربع ريال ندسها في يد العم هائل يدخلنا سينما بلقيس بعد الظهر !!!, ..ومن واحد شاهي حليب في مقهاية الشباب, يقول علي الزعيم رفيقنا: يا اخواني تعالوا ننزل مقهاية النجم في شارع التحرير, نشرب شاهي ومن نص قرص خبز من سيف, ونسمع أبو بكر عند حسونة في صندقة الشيباني يدندن: (( يا دوب مرت علي أربع وعشرين ساعة)), وتعز تغني معه: هات لي قلبك وخذ قلبي معاك لأيوب, والمريسي يجزع بالمتور يدندن مع الآنسي نجوم الليل .
هناك في وادي المدام لا يزال صادق يداري أحزانه ويبكي فراق الأصحاب, وموطئ القدم لكرة القدم حيث ترك لنا الجولحي مساحة كنا ندفع له ما في جيوبنا من بقش لكي يبقي لنا مسافة بين القبر والقبر لنلعب !!! .
كسرني المهاجم وهدًف الهدف الأول, صاح الكوري من هناك وعبدالرحمن الآنسي: العب يا بجاش مدافع ساع الناس أو اخرج, قلت يا صادق: أنا خائف يجزع الوالد ويشوفني العب كرة سيبهذلني !!, قال صادق: خلاص انتبه والعب وأنا شحرسك, فإذا رأيت ((ا للند روفل)) حق عمي قاسم شكلمك .
لم أفق إلا على صراخه, كان الوالد يقف بالسيارة على حافة الشارع المطل على مقبرة وادي المدام ليسمعني ذلك الموال مقابل لعبي للكره !!, توارى صادق خجلا داخل قبر حتى لا يناله من الحب جانب, فتحملت العاصفة كلها ورحت أجرجر رجلي نحو البيت, منتظرا للعقاب الذي لا يتعدى الصياح, لكن الضرب أهون !! .
في المساء كانت هناك حفلة صراخ فوق رأسي (( كيف تلعب كرة )), لم أكن أسمع ما يقولون, كان بالي عند صادق:
كيف يا صاحبي تركتني بعد أن وعدت أن تحرسني ؟؟ .
تركت الحارة والمدينة وصعدت نحو الشمال, علي الزعيم مات بدون حتى أن يخبرني, ولا أزال أبكيه, وصادق توارى خجلا, صادق اسم آخر للوفاء والنبل, وأنا عاجز عن أن أقف معه في تعبه .
سنوات كثيرة مرت, تعز في نفوسنا, وصادق ذهب, عاد إليها, لا يستطيع أن يفارقها, وقاسم بجاش طرح تعبه على الفراش سنوات تسع, ظل كبيرا في مرضه, كما كان في حياته, ومات واقفا كالأشجار .
يوم عزائه كنت أسلم على أحدهم, كان طويلا كعمود حجب ما وراءه, ومن خلفه برز الوجه الذي أحبه باللهجة التعزية التي شربناها أطفالا مثل الشاهي العصملي بجنب بيت عبدالعزيز عقلان, برز فجأة الوجه الذي أحن إليه صادق: عادك تحبني مثلما أحبك, سقطت دمعتان من قلبي, احتضنته بشوق المدينة لبلس صبر, نعم يا صاحبي ما تزال في روحي كما أنت, يا صادق مهيوب كم أحبك ووادي المدام . لله الأمر من قبل ومن بعد .

قد يعجبك ايضا