مرة أخرى. .شكرا صنعاء
زكريا الشرعبي
شهران وعام منذُ بدء العدوان السعودي على اليمن المتزامن في غاراته مع البث المعلن لسموم الفرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي بعد أن ظل العدوان السعودي والجماعات الدينية الموالية له تعمل عليه منذ زمن ليس بقريب.
لم يكن غريباً أن تمارس علناً دول العدوان ومن ورائها هذا الجُرم الباعث لحروب سرمدية ساحقة للإنسانية فالحياة بكلها،إذ لاقيمة عندها لأي قيمة.
كانت الغرابة أن يتصدر لتنفيذ هذه الرغبة المثقف الذي ملأ الآفاق صخبا بالحديث عن الوحدة الوطنية والتعايش السلمي العابر للجغرافيا المتجاوز للاثنيات وأن يتصدر لقمع هذه الرغبات من كان يصفه هذا المثقف بـ”الجاهل الرجعي المناطقي في عصر العولمة”.
إطلاقاً لم يكن أحد يتوقع أن يكون ابن تعز المقترن اسمه بالثقافة قفازاً لتقطيع شرايين النسيج الاجتماعي وأن اليساري الأممي سيتحول إلى زقاقي يدفع اليمن كلها لتحالف العدوان من أجل حماية الروضة وتعمى إنسانيته على ما يرتكبه العدوان في كل أنحاء البلد ليبررها بجريمة في تعز لولا حماقة من يناصرهم ما حدثت. ماكان في بالنا أن تعز التي كنا نغني بأنها مأوىً لكل الذين وجميع اللواتي ستطفح بكل هذه القذارة.
كذلك لم يكن في بالنا أن عدن التي كنا نتغنى بثقافتها وحضاريتها ومدنيتها ستفتح يوماً ذراعيها لقوات المارينز والرينجز الأمريكيتين وتكشر أنيابها وتشهر سياط المناطقية والقبح في وجه أبناء هذا الوطن وتخرجهم منها بلا ذنب لهم ولا جُرم سوى أنهم ينتمون لجغرافيا معينة في هذا الوطن.
نعم لقد خرج محمد علي لقمان ذات يوم بشعار “عدن للعدنيين “غير أن المناطقية لم تصل بعدن إلى حد أن تطرد أبناء تعز لتستقبل كل زناة الأرض وعاهاتها .
لم نكن نتوقع أن عدن الاشتراكية التي عاش فيها وحكم عبدالفتاح إسماعيل وأبدع عبدالله باذيب ومطيع دماج ستطلب اليوم من أبناء بلدها جوازات سفر وتراخيص إقامة.
وأن صنعاء؛ صنعاء التي أتهمناها بالزيدية المتسلطة المستحيل العيش وسط ما أسميناه مناطقية أهلها ستكون وطناً وأماً تحتضنُ الجميع ؛الجميع بمن فيهم أولئك الذين يتشفون بقصفها وقتل أهلها تحتضنهم بلا مناطقية ولا حقد ولا انتقام ولا تأبه لدناءتهم وهم يشكرون من طيرماناتها الرفيعة قاتل أطفالها وقاتل أطفال اليمن.
شهران وعام ونحن نحرض على ابنائها، نفتي بجواز حرقهم وسحلهم نرفع رايات استقلال مناطقنا عنها ومع ذلك نسكن فيها، ونأكل مع ابنائها ونُخزن على طرب أغانيها ولا تبدي لنا سوى مزيد من الحنان ومزيد من العطاء في وقتٍ لا تسمح لنا مناطقنا التي نتقوقع ونتعصب لأزقتها المسكونة بخلايا الإرهاب على حساب وجود الآخر بمجرد النظر إليها من بعيد.
لقد أجهضت صنعاء بحلمها وسعة صدرها ما أراده العدوان من تناحر إثني مناطقي واستحقت بسموها على دناءات أحذية العدو أن لا يكون وافر الشكرِ إلا لها وقبل هذا استحقت أن نركع بين يديها بالإعتذار على ما كنا بفعل تضليل العدو نرميها به من مناطقية وسوء.