العدوان يقود نساء إلى براثن الأمراض النفسية

تحقيق/ أسماء حيدر البزاز

قصص إنسانية غاية في الألم والأسى، تتكبدها نساء اليمن جراء هذا العدوان الغاشم الذي أهلك الحرث والنسل وخلق العديد من المشاكل والمآسي الإنسانية والنفسية والتي من أكثر ضحاياها  النساء، وهو ما أشارت إليه التقارير والمختصون بأن 60% من الأمراض النفسية التي تعاني منها اليمن حازت عليها النساء والتي تسارعت أعدادها نحو الزيادة  في الآونة الأخيرة..
وإليكم شطرا من معاناة الحالات النفسية التي  تعيشها نساء ضاعف العدوان من أوجاعهن ..وأدخلهن جحيما إضافيا لايطاق.

معدة التحقيق زارت ثلاثة مستشفيات في أمانة العاصمة ومن هناك رصدت معاناة  نساء يعشن ظروفا نفسية صعبة..
أم رحاب – 37 عاماً –صار لها عدة أشهر تتردد على المراكز النفسية والمختصين النفسيين حيث تشرح قصتها بالقول: نحن نسكن في منطقة فج عطان بصنعاء وما أن تم استهداف جبل عطان بتلك القنبلة  المدمرة وذهب ضحيتها مئات الشهداء وآلاف المتصابين ومن ضمنهم اثنان من إخوتي الكبار الذين كانوا في منزلنا صباح ذلك اليوم الأسود..
وتضيف أم رحاب :لقد نجوت بأعجوبة بالغة أنا وأبنائي إلا أن مشهد الجثث المؤلم وحالة الموت والدمار التي عشناها أثرت على صحتي النفسية تماماً، وبدأت المخاوف والوساوس والتصورات الذهنية  القاتلة تسيطر عليَّ بشكل كبير، فأحياناً أتهيأ أشياء تحدث داخل المنزل وأجزم للجميع بذلك فأفاجأ بعدها أنها مجرد  أوهام..
وتستطرد :كما أتخيل  أن مكروها حدث لأحد أبنائي أو أن صاروخاً سينفجر في منزلنا خاصة حال مرور طائرة ولا أستطيع أن أتماسك لساعات، بعدها أرغمني أهلي على الذهاب إلى مختص نفسي للتخفيف من هذه الحالة .

اكتئاب
علياء فازع- 17 عاماً – أوضح والدها بأنها تعاني من حالة اكتئاب شديدة منذ ما يقارب خمسة أشهر، لدرجة أنها بدأت بالانطواء والعزلة والوحدة، حاولت مراراً إخراجها من جو الاكتئاب بالذهاب إلى النزهات ورحلة إلى محافظة الحديدة لأسابيع ولكنها ما إن تتحسن قليلاً حتى تعود إليها حالة الاكتئاب ..
يضيف والدها وهو يتحسر :قررت حيال ذلك عرضها على مختص نفسي رغم رفضها لهذا القرار لأنها تعتبر أن من يذهبون إلى الدكتور النفساني هم أناس مجانين وكذلك هو تفكير والدتها التي تعتبر أن ذلك عيب وبصعوبة أقنعتها لأن العيب هو أن تستمر ابنتي على هذه الحالة وتتطور دون أن يتم علاجها، وفعلاً تم إجراء عدة جلسات نفسية والتي –والحمد لله – حققت نجاحات مثمرة لوحظ ذلك في تحسن كبير على صحتها، ولحساسية ابنتي من الموضوع فضلت أن لا أبينه لأحد من أقاربها أو صديقاتها.

عوامل الحرب
أم هلال قادمة هي وأسرتها من محافظة صعدة وهي واحدة من آلاف الأسر النازحة جراء هذه الحرب العدوانية حيث نزحت من منطقة ضحيان بصعدة وقد فقدت كل ما تملك من مال وزاد وعتاد ومأوى.
وبعد أن فقدت معيلها وسط ظروف مادية غاية في الصعوبة  تبرع أحد رجال الأعمال لأم هلال وأبنائها البالغ عددهم خمسة بمنزل متواضع جداً (غرفة ومطبخ) كمأوى لهذه الأسرة التي غدت اليوم رهينة لاستعطاف وإحسان الناس بعد أن كانت عزيزة في ديارها.
هذا الوضع أثر كثيرا على أم هلال التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها أرملة فقيرة لا عون لها ولا ملاذ مما زاد من حدة الضغوطات النفسية التي تتجرعها  حتى وجدت نفسها مصابة بانفصام في الشخصية  وحالتها النفسية في تدهور بشهادة أبنائها بعد استسلامها للواقع الذي تعيشه.

أرقام مخيفة
وفي هذه الزاوية أوضح لنا الدكتور عبده الشليلي المختص النفسي بالمستشفى اليمني الاستشاري: أن النساء من أكثر الشرائح تأثراً بالعدوان على اليمن من الجانب النفسي بشكل واضح تبينه الأرقام والإحصائيات.
ويشير إلى أن مسوحات تمت أظهرت زيادة في الحالات النفسية بنسبة 60% في شتى الأمراض النفسية التي ارتفعت في الآونة الأخيرة وبشكل كبير وملحوظ ومن أبرزها:  الاكتئاب والوساوس القهرية والاضطرابات الذهنية والعصبية والانفصام في الشخصية.
وأكد أن الحالات في تزايد تبعاً لهذه الأحداث والضغوط المحيطة التي تتعرض لها المرأة لكونها الحلقة الأضعف.
ونبه الشليلي الى خطورة  إهمال أي بوادر  لأي مرض نفسي لأنها قد تتطور ويصبح من الصعب علاجها والشفاء منها.

الثقافة المجتمعية
يقول الشليلي: أن العديد من الحالات تجد حرجاً وعيباً عند مراجعة الطبيب النفسي بفعل التقاليد المجتمعية المغلوطة.
مبينا أن المرض النفسي  كأي مرض عضوي يتم علاجه والخلاص منه بإذن الله ولا حرج في ذلك أبداً خاصة مع التطورات السريعة في العلاج النفسي والتي زادت من فرص الشفاء منه بوقت أسرع عما كان في السابق.
وأشار إلى وجود تدريبات نفسية للوقاية من تداعيات الحروب النفسية وكيفية التعامل مع الأزمات والحروب وتقوية الذات والثقة بالنفس إضافة إلى توعية الأسرة المحيطة بالمريضة بالآليات الصحيحة للتعامل معها حتى لا يعقدوا الأمر ويوهموا المريض بأنه مجنون فيميل إلى العزلة والانطواء.

قد يعجبك ايضا