الثورة –
,الحوار من أجل الفرص يحول الاتصالات إلى أبواب مفتوحة
ساهم الدكتور عبدالباري دغيش في إدارة الحوارات خلال رحلته البرلمانية ولعب دورا هاما في فنون التفاوض في الداخل والخارج وبحكم موقعه كرئيس لمنظمة (برلمانيون ضد الفساد) اكتسب تجربة أحب أن يقدمها للمتحاورين علهم يجدون فيها ما يفيدهم للخروج بحوار مثمر يلبي طموحات الناس واشتملت على الطريقة التي يرى أنها ملائمة للسير في مؤتمر الحوار الذي يشغل عضويته وقد وضع أولاٍ ثلاثة شروط أساسية لإنجاح العملية :
* الشرط الأول :على كل المشاركين في الحوار تعليق افتراضاتهم وتركها طافية أمامهم في الهواء.
فور أن يتمسك المرء برأيه ويقول هذا هو الأسلوب الأنسب عندئذُ تنسد سبل الحوار.
أذهاننا تسعى تلقائياٍ إلى تبني موقف معين والدفاع عنه وعلينا أن نقاوم هذا التوجه حتى ينتهي الحوار.
*الشرط الثاني :على كل المشاركين أن يعتبروا بعضهم بعضاٍ زملاء وليس خصوماٍ.
من الضروري جداٍ أن ننظر لبعضنا البعض باعتبارنا زملاء وأصدقاء وبدون هذا الإحساس لا تنطلق النبرة الإيجابية الضرورية لتأسيس الحوار.
تحدث أعظم الحوارات عندما ينظر المشاركون إلى مخالفيهم في الرأي كزملاء يحملون وجهات نظر مختلفة.
*الشرط الثالث : لابد من وجود مْيسر يضمن السياق الذي يسير فيه الحوار.
الميسر يعمل على إبقاء الحوار متحركاٍ ومتوجهاٍ نحو الهدف المرجو والمنشود .
يوضح الميسر الافتراضات التي تتسلل إلى الحوار تلك التي ربما سدت منافذ وسبل الحوار ويشير الميسر إلى وجهات نظر أخرى..
كما وزع البرلماني الحوار إلى مستويات ثلاثة:
من أجل الوصول إلى الهدف المرجو والمنشود يجب مراعاة التدرج في خوض الحوار بمستوياته الثلاثة بدءاٍ من حوارات توليد الاحتمالات ومرورا بحوارات توليد الفرص وانتهاءٍ بحوارات توليد الأفعال..
المستوى الأول = حوارات من أجل توليد الاحتمالات: الاحتمال هو إمكانية وقوع أمر ما لسنا على ثقة تامة بحدوثه ويلعب الاحتمال دوراٍ أساسياٍ في حياتنا اليومية بالتنبؤ بإمكانية وقوع حدث ما.
في هذا المقام تحضرني العبارة المشهورة عن الأمام الشافعي : (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وهي قاعدة يتجلى فيها قدرَ عالُ من التسامح واحترام الآخر والاعتراف به وقبوله وأكثر من ذلك تحث هذه القاعدة على توليد الاحتمالات وحوار الاحتمالات هي تلك الحوارات التي يجب البدء بها والغرض منها إعداد جدول بكل الاحتمالات.
هنالك عبارة قالها الكاتب الإنجليزي مارك تواين فحواها :”أنه إذا أردت أن تحصل على فكرة جيدة فلتحصل أولاٍ على عدد كبير من الأفكار “.
علينا إدراك أن مصدر كل إنجاز هو إعلان أن هذا الأمر أو ذاك ممكناٍ فكثيراٍ ما نعلن عن عدم إمكانية تحقيق شيء وقلما نقوم بذلك بصورة مسئولة .
الكلمات التي نقولها إما أن توسع الأفاق وتفتح سبلاٍ لمستقبل جديد أمامنا أو أنها تتضمن تكراراٍ لصور الماضي إلى ما لا نهاية وفي ما يأتي أمثلة من الكلمات التي تولد الاحتمالات : أقول أن هذا ممكن …….. لعلنا نقوم ….. يمكننا أن ……..الخ.
ما يميز حوارات توليد الاحتمالات أنها حوارات خلاقة ومبتكرة وتفتح أمامنا سبل مستقبل يتجاوز الموجود وواقع الحال الراهن.
يجب إدارة الاجتماعات المخصصة لخوض حوارات توليد الاحتمالات بصورة تمنع التدهور وتحويل الحوارات إلى مجرد نقاش حول وجهات النظر.
ومن أجل ذلك علينا مراعاة التنبيهات الآتية :
• لن نتخذ قرارات أو نلتزم بشيء حتى نكمل حوار الاحتمالات .
• مسموح الشطح بالخيال وافتراض أشياء واقتراح بدائل تبدو غير عملية.
• لن نناقش جدول الاحتمالات حتى يتم تقديم كل الاحتمالات..الحوار حول التنفيذ يأتي في مرحلة لاحقة وتحديداٍ حين خوض حوارات الفرص.
• لا يوجد خطأ أو صواب في حوار الاحتمالات الاحتمالات كلها قائمة بوصفها احتمالات وكل الاحتمالات سليمة من حيث هي مجرد احتمالات..إلى أي مدى الاحتمال معقول أو مقبول أو قابل للتنفيذ أو عملي¿ كل تلك الأسئلة ستطرح في وقت لاحق..!!
المستوى الثاني = حوارات من أجل توليد الفرص:
وهي الحوارات التي تخاض عقب حوار الاحتمالات وتعمل كالفلتر بالنسبة للاحتمالات إنها نوع من الحوارات قريبة الشبه بدراسات الجدوى التي تجريها بعض الجهات لإمكانية حدوث شيء ما وهي تأخذ بالاحتمالات إلى “الفرص” وكأنها جسر يربط بينهما.
الحوارات التي تولد فرصاٍ هي بمثابة الرابط بين الإمكانية والفعل بل إنها أي حوارات الفرص في أحد أشكالها هي حوارات للجدوى والإمكانية وهي تستفيد من المعرفة والأدلة والتفضيلات والآراء في تقييم احتمالات الفعل وتأخذ الماضي بعين الاعتبار ولكن دون أن تحبس نفسها فيه.
في هذه الحوارات يْسأل: إن كنا سننفذ هذه الفكرة وكيف سنقوم بذلك¿ وما هي الفوائد والمكاسب المحتملة¿ وما هي التكاليف والخسائر المحتملة¿ التمويل والمؤيدون والمؤيدون المحتملون…الخ .
الحوارات من أجل الفرص تحول الاحتمالات إلى أبواب مفتوحة بصورة تجعل الفعل لا يقاوم. وهي تخلق اللحظة التي يتم فيها اتخاذ القرار: ننفذ أم لا ننفذ¿ أو نلزم أنفسنا بخطة أو توجه أو إستراتيجية محددة للتنفيذ ¿
تحذير من أوجه النقص في حوارات الفرص:
هي أنها قد تفتقر إلى الفعل القائم على الاحتمالات المختلفة. عندما يكون هنالك احتمال لأمر معين لكن الناس لا يقومون بشيء حيال ذلك فهم بكل تأكيد لا يعتبرون هذا الاحتمال فرصة ولو أنهم نظروا لأي احتمال على أنه فرصة متاحة لهم فسوف يبادرون بعمل شيء ما.
المستوى الثالث = الحوارات التي تستهدف توليد الفعل:
وهي الخاتمة للحوار إذ أنها تضفي يقينية على خطة العمل وتوضح من سيقوم بماذا ومتى سيقوم به وتركز على الفعل المؤدي إلى النتائج كما أنها تضيف التحديد والوضوح لخطوات العمل لأنها تجيب على الأسئلة:- من سيفعل¿ماذا ¿متي ¿ كيف¿ كم يتكلف ذلك الفعل ¿وتعبر الحوارات التي تولد أفعالا عن نفسها بما يلي:
* وعود بأفعال محددة في أْطر زمنية محددة.
·طلبات بأفعال محددة من أفراد أو أطراف أو جهات محددة في أْطر زمنية محددة.
يتم عبر الحوارات التي تستهدف توليد الفعل تحويل مجرى الحوار من محاولة جعل الآخرين القيام بأفعال محددة (الرضوخ) إلى قاعدة مشتركة من الالتزام المتبادل. وهنا يجب التزام المرونة من أجل تحقيق المقاصد وتجنب الإصرار على تحقيق مطلب معين إذ يمكن للمرء أن يبدل طلبه بطلب آخر يحقق نفس الغرض. الفعل يثمر دوماٍ نتيجة ما وإذا لم تكن هنالك نتائج فربما كان السبب وراء ذلك كامناٍ في غياب الحوار من أجل توليد الأفعال.