الإرهاب .. وتفسير الحاضنة
أحمد يحيى الديلمي
حسب العادة كانت هيئة علماء السعودية أول من بادر لإدانة تفجيرات العاصمة البلجيكية بروكسل الإرهابية, التصرف إيجابي من حيث المبدأ, لأن الإرهاب مرفوض ومدان من كل إنسان عاقل, الشيء المستهجن وغير المقبول مبادرة الحكومة السعودية إلى عقد اجتماع لما يسمى بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب.
لست بحاجة إلى التذكير بعدم شرعية هذا الكيان الذي ولد في جنح الظلام بقدر ما أود التنبيه إلى أن الدول المشاركة في التحالف أو بعضها لعبت دوراً مشبوهاً في رعاية وتمويل الجماعات الإرهابية وأن العقل الوهابي التكفيري هو موئل الزاد الفكري لهذه الجماعات وطالما أن السعودية تهيمن على هذا التحالف فستكون النتيجة حرف البوصلة عن جماعات الإرهاب الحقيقية وتوزيع التهمة على أي جماعة ترفض الهيمنة القسرية وتحمل راية المقاومة ضد العدو الصهيوني.
الموقف ذاته سبق أن عبرت عنه هيئة علماء السعودية فلقد شاهدنا أحد أعضائها يتباهى بما يجري في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان إلى حد التلذذ ووصف الأعمال الإجرامية البشعة بالبطولات النادرة والأعمال الجهادية التي تنتصر للإسلام.
من هنا تبرز معضلة التوظيف السيئ للدين ومحاولة ربط التعاليم والأحكام بعهر السياسة, وما يترتب على ذلك من خلط للأوراق وازدواجية في المعايير باعتبار ما يسمى بهيئة العلماء بوقاً مأجوراً لنظام آل سعود الاستبدادي الفردي الوراثي، للأسف هذا النوع من العلماء هم من فتحوا الأبواب للاستخدام النفعي للدين وجعلوا التأويل الخاطئ للنصوص وسيلة لتثبيت دعائم المُلك بما هو عليه من ظلم وغطرسة وجبروت وتعزيز الرغبة التعسفية للسلطة في التحكم وممارسة الإرهاب والقمع والتسلط وإقصاء كل معارض باسم الدين بحيث استطاعت المنظومة الدينية المزيفة التأثير على الوعي العام وإقناعه بالسمع والطاعة العمياء للحكام حتى غدى الواقع السياسي والاجتماعي مرهوناً بإرادة السلطة ونزوات الأمراء مما أثر على التصرفات والسلوك وأصبح كل شيء معلقاً بأهداب الملك ومرجعياته الدينية المسخرة لتوظيف المرويات لخدمة الفكرة بما تمثله من تشويه لمنهج العقيدة ، أي أن النظام وجد ضالته في رجال الدين والفكر الوهابي القائم على الغلو والتطرف والرفض المطلق للآخر المخالف.
هذه الايدولوجيا المفزعة شكلت مدخلاً للاستغفال وشرعنة الفكر الاستبدادي وتمكين النظام من البطش والتنكيل لمن يخالف أو يرفع صوته, على خلفية الرؤية المزعومة التي تعتبر الحرية والجمهورية وحقوق الإنسان ضلالاً وفكراً دخيلاً يتعارض مع نهج الإسلام.
برزت الخطورة أكبر على الإسلام والمسلمين في المقام الأول ودول العالم بشكل عام في المرحلة الثانية عقب الاتفاق غير المعلن بين الوهابية وحركة الإخوان المسلمين وظهور ما سمي بالحركات السلفية الجهادية، إضافة إلى امتلاك القوة المالية بعد ارتفاع صادرات النفط وزيادة أثمانه، هذه التحولات فتحت شهية النظام السعودي للتمدد وتصدير الفكر الوهابي إلى كل الدول الإسلامية وحيثما وجدت تجمعات إسلامية في دول العالم.
هذه الخطوة اقتضت التعبئة الخاطئة باعتبار المسلم الآخر القابع في مذهب مخالف كافراً أو فاسقاً مباح الدم، في سبيل تحقيق هذه الرغبة لم يتردد نظام آل سعود عن استخدام أي وسيلة مهما تدنت بما في ذلك إحياء النعرات وإذكاء الصراعات المذهبية والنزعات العنصرية والعمل على بلورة ثقافات مضطربة جعلت محور العمل السياسي القوة والعنف والاستبداد في نطاق الأنظمة الجمهورية بحيث جعلت جمع الأموال الطائلة والاستئثار بمقدرات الشعوب وإشاعة الفساد ونبذ القيم والأخلاق النبيلة قاسماً مشتركاً بين حكام الأنظمة الجمهورية ولأنظمة الملكية كأبشع تحول ضاعف معاناة الشعوب بعد أن صار كل شيء ملكاً لرئيس الجمهورية كما هو حال الملك, مما ولد الحيرة لدى الشباب المسلم وبعثهم إلى مقاصل الفناء وتبني أفكار ظلامية صبت في بوتقة ضيقة عطلت العقل والمنطق ودورهما في التعاطي السليم مع منهج العقيدة ومن ثم دفعت الفكر الجهادي التكفيري إلى ميادين القتل الدموي الوحشي كونه أقصر الطرق لإقامة دولة الخلافة الإسلامية أو الوصول إلى الجنة هذه المظاهر هي التي أعطت للآخر المتربص بالإسلام الفرصة لتشويه الإسلام والقدح في مضامين منهجه.
الإشكالية أن الدول الحاضنة للإرهاب أصبحت اليوم معنية بتحديد معايير الإرهاب وتوصيف من هو الإرهابي.
أليست نكتة مريبة تثير البكاء والضحك معاً؟!