” أنا أعلن انسحابي “

 - لم يصل أعضاء البرلمان إلى هذه النتائج إلا بعد أن دفعوا الثمن غاليا وتمت التضحية بالعديد منهم في معركة الانسحابات المتوالية , ولم أعرف الحقيقة إلا بعد أن دفعت الثمن خوفا◌ٍ وانصداما◌ٍ, ما يعني أن الأمر جدير بالاهتمام .
 تتوالى ا
صقر الصنيدي –
لم يصل أعضاء البرلمان إلى هذه النتائج إلا بعد أن دفعوا الثمن غاليا وتمت التضحية بالعديد منهم في معركة الانسحابات المتوالية , ولم أعرف الحقيقة إلا بعد أن دفعت الثمن خوفا◌ٍ وانصداما◌ٍ, ما يعني أن الأمر جدير بالاهتمام .
 تتوالى الأصوات وترتفع الأيدي عاليا وهناك من ينهض بكل جسده ويصرخ بأعلى صوته ” طبعا لابد من وجود الكاميرا ” ما لم فإن صاحب الصوت مستعد لإعادة اللقطة الحماسية , تتلخص الكلمات بـ”أنا أعلن انسحابي , ولا تراجع” .
ربما في إحدى الفترات كنت الوحيد داخل المجلس المصدق لما يدور أمام عيني بحكم حداثة تجربتي ولا أفيق إلا على صوت أحد الزملاء المتخصصين بتغطية الشأن البرلماني ” لا تصدقش هذا الانسحاب صوري “أزداد حيرة بهذه العبارة وأبحث عن تفسير مقنع”.
تنتهي الجلسة وتعود اللجنة المختصة بعد العصر لمناقشة أمر مهم والغريب أن من صرخ صباحا أمام الكاميرا معلنا انسحابه هو أول من يحضر إلى لقاء اللجنة التي غادرها قبل ساعات , ولا يدور أي حديث حول الانسحاب المعلن , كأنه لم يكن أو كأني فقدت القدرة على السمع الجيد .
يتطوع ذات الزميل لتفسير لغزه بتركيز تام مني : في السنوات الماضية كان النواب يعلنون انسحابهم من اللجان أو حتى من المجلس ثم يقومون بذلك فعليا , ويخسرون كل امتيازاتهم من بدلات اللجان وبدلات الجلسات وفرصة لقاءات المسئولين وهو أمر أزعجهم ودفعهم للتفكير بالبديل .
ومن اليسير معرفتي لبقية القصة  , البديل هو إعلان الانسحاب أمام الناس واتخاذ موقف يكسب به الناخبين ثم التراجع عنه خفيه والعودة للعمل مع ممارسة الدعممة والنسيان  بل والإعلان عن انسحابات أخرى فمن حق أي نائب أن ينسحب متى شاء وأينما شاء ويعود بنفس الآلية ويكون من هم خارج البرلمان قد أشادوا وصدقوا الترجيديا لنجمهم الذي ينوون انتخابه مجددا ويعيشون مع وهم انه ما يزال منسحب  , حتى أن اللجنة المالية هي الوحيدة التي لا تعتمد أي انسحاب ولا تصدق ما يقوله النائب فبينما هو يتلو إعلانه التاريخي تقوم اللجنة بصرف كل حقوقه أفضل من زملائه الملتزمين وتدللـه ماليا◌ٍ ولا تتأخر عن إرسال المخصصات نهاية كل شهر وإن كان مسافرا خارج البلاد تلاحقه بمستحقاته  أينما ولى شطره حتى لا تنقص عليه المصاريف¡ المهم أن يتطوع بإبلاغ عن مقر الإقامة الجديد.
وحتى تعمم الفائدة ويوفر أعضاء لجنة الحوار ثمن تجربة الانسحاب ما عليهم إلا التفعيل لما هو قائم في البرلمان والاستفادة من الاختراع بحكم أن العلم حق إنساني , ينسحبون أمام الكاميرات ويعودون كلما انتهى التصوير فينالون حقوقهم ويتمكنون من الانسحاب مجددا ويكسبون رضا مشجعيهم خارج القاعة وينالون اهتماما◌ٍ إعلاميا◌ٍ أكثر بألف مرة مما لو لم يمارسوا حقهم في الانسحاب.

قد يعجبك ايضا