طلال سفيان
السحل والذبح وإحراق الجثث ثقافة رعب ودليل على القطيعة بين فئات مجتمع يواجه أزمات خانقة, وإن محاولة الحوار أو التقارب والتفاهم على قضايا مشتركة ستكون من باب الرفاهية الزائدة, وتغييب القدرة على الاعتراف بمفاهيم (نحن) و(الآخر)، فنحن الأصح والأنقى والأبقى، والآخر جحيم ومهلكة، حيث دأبت ثقافة ومنظومة التعذيب الراسخة والمنظمة التي تنتهجها أدوات الصهيونية، على ممارستها ضد كل من يختلف معها, وأداة لإخضاع من تحاول أن تحكمهم وتسيطر عليهم.
هل نحن أمام حقبة فضائحية جديدة، حقبة يستعيد فيها التعذيب سحلاً مكانته وقدرته على إثارة الذعر والخنوع في أوساط المحكومين؟ الجواب سيكون نعم، لأننا أمام قوى سياسية شيطانية تعمل جاهدة من أجل إخضاع الإنسان لسلطتها وجبروتها، وتحويله إلى أداة طيعة بعد تجريده من حريته وتطلعاته وآماله.. إنها قوى شيطانية لا تتردد عن ارتكاب أفظع الجرائم من أجل بسط سلطتها على كل من لا يدور في فلكها.
حين تشاهد صورة الشاب السلفي الذي يقود دراجة نارية ويسحل جثة وسط تهليل ومشاركة عدد من شركائه في شوارع الرقة السورية والموصل العراقية وتعز وعدن اليمنيتين، فإن كل ما سمعت أو قرأت عن التعذيب والعقاب والانتقام سوق يتقافز أمام مخيلتك، تلك الصورة وبقدر ما تثير من سخط وخوف في آن معاً، فإنها تضيف مزيداً من القتامة والذعر على صورة الأوضاع التي أنتجها الربيع العربي، خصوصاً بعد أن تمكنت قوى الإسلام السياسي بمختلف ايديولوجياتها، وبدعم قوى من الصهيونية والامبريالية العالمية، من إحكام قبضتها على السلطة في معظم الدول التي هبت عليها عاصفة الربيع العربي, وإن الانتقام من الخصوم سيتخذ أشكالاً وممارسات شتى، قد تتجاوز قضية السحل بكل بشاعتها.
هذه الوقائع البشعة المخزية، تعيد إلى الأذهان صور جرائم التعذيب البشعة التي أوردها ميشيل فوكو في كتابه (المراقبة والمعاقبة ولادة السجن)، أو تلك التي أوردها هادي العلوي في كتابه (من تاريخ التعذيب في الإسلام)، وغيرهما من الكتب التي امتلأت بحوادث تاريخ الإنسان الطويل مع التعذيب وأشكاله وأدواته واستخداماته البشعة، وكذلك ما ارتكبته أجهزة القمع والاستبداد والحركات الدينية الأصولية في معظم دول العالم، حيث كانت تتفنن في تعذيب معارضيها والتنكيل بهم والتمثيل بجثثهم وتقطيع أوصال أجسادهم وهم على قيد الحياة.
فما يحدث عبر مشاهد تكرار حوادث السحل والذبح والقتل والتمثيل بالجثث، يؤشر لمدى الهوة والشرخ العميق الذي أصاب المجتمع المبتلى بهذه الظواهر البشعة على الصعيد السياسي والاجتماعي، لتزيد من حجم معاناته مع المشاكل الجدية والمصيرية التي تشدد من اضطرابه، وتحوله إلى ساحة للصراعات والمعاناة، من فقر وبطالة وأمية مستشرية وجهل وتصاعد للمد الديني المتطرف واستئثار بالسلطة والثروات من قبل طبقة تعيش منعزلة عن المجتمع، وتمتص قوته وقدرته وإمكاناته بشكل متواصل.
الجمعة السوداء
لم تكن جرائم الذبح والسحل والإعدامات الجماعية والتمثيل بالجثث التي ارتكبتها عناصر ميليشيات القاعدة والإصلاح بمدينة تعز، الجمعة السوداء قبل الماضية، بحق الأسرى والمواطنين، وتصوير مشاهدها البشعة وبثها للرأي العام اليمني والدولي، مجرد أمر اعتباطي.. بل هي رسائل موجهة للمجتمع عن الايديولوجية التي تعتنقها جماعة العنف المعروفة بـ (الإسلام السياسي).
فالصورة التي يظهر فيها متطرفون يقومون بسحل جثث مواطنين خلف دراجات نارية، تشير إلى حجم ما وصلت إليه تلك المناطق من انتهاكات مروعة في ظل سيطرة التطرف والارهاب المدعوم من التحالف، والذي يحاول التوسع والانتشار في مناطق أخرى من اليمن.
الحادثة لم تكن هي الأولى ولا الأخيرة في ظل تنامي التطرف المسنود من دول التحالف في هذه المدينة التي عرفت بطابعها المدني.
ففي نهاية أغسطس ومطلع سبتمبر من العام الماضي تم سحل وذبح عدد من المواطنين من قبل جماعات مسنودة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
في الجمعة السوداء، شهدت أحياء مدينة تعز عملية نهب للمنازل والمحلات التجارية والسطو على منازل النازحين، كما شهدت عدداً من حالات الإعدام لكل من يرفض ممارسات تلك الجماعات التي على ما يبدو أنها تتخذ من الإرهاب وسيلة لإخضاع أبناء تعز وقبولهم بالممارسات الخفية التي تقف خلف تواجد تلك الجماعات، ولعل كثيرين من أبناء تعز واليمن عموماً لم يفيقوا بعد من آثار الصدمة.
فيوم الجمعة كان كابوساً مرعباً بعد أن أفاق اليمنيون على سلسلة من عمليات القتل الوحشية رمياً بالرصاص وذبحاً بالسكاكين لأسرى ومدنيين ومصابين، ودوامة من التصفيات الثأرية الهوجاء لمدنيين اقتحمت منازلهم، وقتلوا بصورة بشعة أمام ذويهم, وسط أعمال تعذيب وحشية وصلت إلى حد بتر الأيدي والأرجل لأحياء، وعمليات سحل وتمثيل بشعة للجثث.
كانت سلسلة ثقيلة من الجرائم الوحشية شهدتها أحياء وشوارع مدينة تعز، أصابت اليمنيين والعالم بالصدمة، بعد أن شاهدوا جرائم عمليات سحل للجثث بالسيارات والدراجات النارية والتمثيل بها وإلقائها في قنوات مخلفات الصرف الصحي، في مشاهد عنف طافحة بالوحشية.
ورغم محاولة جماعة الإخوان المسلمين تدارك فضيحتهم الأخلاقية باحتفالات انصرف عنها أكثر سكان مدينة تعز, إلا أن بعضاً من هذه المجازر كانت قد سبقتهم في صور ومقاطع فيديو ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بعد توثيقها لأجزاء من تفاصيل الجريمة.
لم تظهر الصور ومقاطع الفيديو كل الجرائم, ورغم ذلك فإن ما تسرب منها كشف بجلاء مدى بشاعة المرتزقة وسقوطهم الأخلاقي، خصوصاً بعد أن تزامنت مع عمليات نهب واسعة طالت عشرات المنازل والمنشآت, وأرغمت رؤوس المرتزقة في الخارج على إصدار توجيهات عاجلة لأتباعهم في الداخل بإقفال هذه المناطق وحظر التجوال فيها.
ووفقاً لسكان المدينة لم توثق الصور سلسلة أخرى من الجرائم ارتكبت بحق مدنيين اقتحمت فرق الموت الارهابية منازلهم وقتلتهم على مرأى ومسمع من أبنائهم وعائلاتهم، ناهيك عن التصفيات الثأرية التي طالت عشرات المدنيين المناهضين للعدوان السعودي، وسط عمليات دهم مسلحة للبيوت واعتقالات للعشرات من المنازل والمستشفيات لمدنيين ومصابين لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى ساعة كتابة التقرير.
يضاف إلى ذلك جرائم التعذيب الوحشية التي بترت فيها أيدي وأرجل أشخاص أحياء، وانتهت بسحل جثثهم بالسيارات والدراجات النارية والتمثيل بها وإلقاء العديد منها في قنوات تصريف مخلفات الصرف الصحي، وثقت الصور ومقاطع الفيديو مدى إجرام وبشاعة مرتزقة العدوان السعودي, وفي طليعتهم مسلحو التنظيمات الارهابية (الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وحماة العقيدة وأنصار الشريعة), وأكدت بالدليل القطعي وحشية ما يخطط له العدوان السعودي في هذه المحافظة, التي تبدو في طريقها إلى الفوضى العارمة، ثمة جرائم غاية في الوحشية ارتكبت بحق أسرى، وأخرى تم فيها إحراق منازل مدنيين، وقتل آخرين من السكان والوجهاء في الأحياء الغربية لمدينة تعز، بذريعة تعاونهم مع الجيش اليمني واللجان الشعبية، شواهدها لا تزال باقية حتى الآن، في غياب كامل للمنظمات الإنسانية التي ظلت طوال الفترة الماضية تنعق بتقارير الانتهاكات الإنسانية في طول المدينة وعرضها.
الخوف يخيم على سكان الأحياء الغربية للمدينة بعد إقفالها بالكامل، مع انتشار المئات من المسلحين الذين شرعوا بتصفيات وملاحقات وعمليات دهم للمنازل، كثيرون في هذه الأحياء لم يحملوا السلاح، لكنهم أفصحوا يوماً عن مناهضتهم للعدوان السعودي، والبعض تمكن من الفرار في ظروف قاسية إلى مناطق ومحافظات أخرى، وثمة أبرياء آخرون لم تسعفهم ظروفهم للهرب، اختبأوا بعد أن وضعوا في قوائم المطلوبين والخاضعين للملاحقة، فصول الجريمة لم تكتمل بعد, فصور الجرائم البشعة تعكس خطورة المشروع الذي تحمله تلك الجماعات، وبدعم قوي من العدوان السعودي وتحالفه، وفي سياق الحرب على اليمن المستمرة منذ عام، فمثل هذه الظواهر الخطيرة لا يمكن أن تحدث في اليمن إلا بشكل منظم وممنهج ومتلازم ومع وجود العدوان والاحتلال في الجنوب.
فالوضع في عدن، لا يزال يستحوذ على اهتمام ومتابعة الشارع اليمني، جراء تتالى وتسارع التغيرات التي تشهدها المحافظة، منذ ثمانية أشهر، ففي الـ 17 من يوليو 2015م أعلنت الحكومة العميلة من العاصمة السعودية الرياض، السيطرة على عدن، لتظهر معها الصورة أكثر بشاعة وقتامة في العدوان على الأرض والإنسان اليمني.
بعد 3 أيام من السيطرة شبه التامة على بعض مديريات محافطة عدن، قامت عناصر القاعدة وداعش والميليشيات المسلحة المرتبطة بالسعودية والإمارات، بسلسلة عمليات إجرامية مصورة تضمنت تعذيب وسحل وذبح أسرى من الجيش اليمني واللجان الشعبية، هذه التطورات التي لم يتنفس فيها جنوب الوطن الصعداء لساعات قليلة, بعثت برسائل مخيفة حول المستقبل القادم لـ (عدن) في ظل سيطرة القوى الجديدة على المحافظات التي تعيش يوميات الحرب منذ تحريرها المزعوم من وطنها الأم، ووقوعها أسيرة تحت عقالات الاحتلال, فقد ظهرت أعلام القاعدة خلال معركة السيطرة على مديرية خور مكسر، باعثة برسائل غير مطمئنة لكثير من المتابعين لما يدور في المحافظة, كما أن نشر صور ومقاطع السحل والتعذيب والإعدامات جعل البعض يومها يراهن على أن المرحلة القادمة في عدن ستكون صعبة، خاصة مع تعدد القوى والأطراف البشعة التي تتقاتل في عدن.
لم تمر أيام قلائل من سيطرة مقاتلي التنظيم الجهادي على مدن استراتيجية في محافظات أبين حتى كانت الدماء تتبعثر في كل الاتجاهات، في الرابع من ديسمبر الماضي، نفذ تنظيم داعش عملية إعدام جماعي أطلق عليها (ثأر الكماة) لعدد من أسرى الجيش اليمني، ظهر ارهابيو داعش، وهم يسوقون الأسرى المعتقلين بزي برتقالي، إلى حتفهم الأخير، بأربع عمليات إعدام مختلفة توزعت بين الذبح بالسكاكين لعدد (9) أشخاص، وتفجير قارب صيد يحمل (6) أشخاص.
وكذا باستخدام صاروخ استهدف (6) أشخاص مكبلين وضعوا قبالة منصة إطلاقه، و(4) أشخاص باستخدام قذائف الهاون ربطت على أعناقهم.
ويظهر في الدفعة الأولى من الإعدامات عملية ذبح لـ (9) أشخاص مكبلين، بلباس برتقالي، في منطقة ساحلية، وذبح المحتجزون بعد أن جثوا على الأرض، ثم على وجوههم، وفي مقطع آخر تم وضع (6) أشخاص متراصين في منطقة جبلية، قبل قصفهم بصاروخ (لو)، وفي الدفعة الثالثة من الإعدامات، تمت تصفية (6) أشخاص بقارب مفخخ، تم تفجيره عن بعد، بع إبحاره لمسافة قصيرة، لتتناثر الأشلاء في المكان، فيما يظهر في الدفعة الأخيرة، (4) أشخاص ربطت أعناقهم بعبوات ناسفة، وتفجيرها عن بعد، بصورة مروعة سبقتها حوادث إعدام لمواطنين في حضرموت، وعدد من المواطنين في عدن، تنذر بمخاطر كارثية جراء استفحال آفة الارهاب، وتنامي نفوذ جماعاته وبسط سيطرتها على مزيد من المدن اليمنية، في ظل تنسيق تام ورعاية كاملة ودعم مستمر من الرعاة الرسميين (الوهابية السعودية والصهيونية والامبريالية الأمريكية وحلفائها بالمنطقة العربية).
ويشكل يومي يشهد الجنوب عامة وعدن خاصة، العديد من العمليات الانتهاكية بحق أبناء المناطق الشمالية، إلى جانب حالة الاختطافات المتنامية، واكتشاف الجثث المجهولة، والعمليات الانتحارية، والاغتيالات التي تطال قيادات عسكرية ومدنية ومواطنين، والمواجهات المسلحة بين حلفاء التحالف في ظل الوصاية الخارجية التي تجتهد لإبراز ما يحدث من جرائم في المحافظات الجنوبية كنموذج للمستقبل لبقية اليمنيين.
هذه المجازر الشنيعة، ناهيك عن كونها نشازاً يتخطى تاريخاً توافقياً ضخماً كرسته التعبئة الشيطانية للحركة الوهابية الإخوانية في اليمن لا زالت مشاهدها تتكرر يوماً بعد يوم بصورها البشعة, وقبل العدوان على اليمن، تبنى (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب)، مطلع ديسمبر 2013م عملية اقتحام مستشفى العرضي الذي يقع داخل مجمع وزارة الدفاع اليمنية، متنكرين بلباس عسكري، ويحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة، غالبيتهم يحملون الجنسية السعودية، أسفرت عن مقتل 52 شخصاً وإصابة أكثر من 167، أغلبهم من الطاقم الطبي (أجنبي ويمني) ونزلاء المستشفى (أطفال ونساء وشيوخ).
لتعود مجزرة العرضي مجدداً، وهذه المرة عبر جريمة ارهابية مشابهة لنفس الأدوات، عبر مهاجمة دار المسنين بمديرية الشيخ عثمان ـ عدن في الرابع من مارس الجاري أدت إلى مقتل 16 شخصاً من نزلاء الدار، إضافة إلى 4 ممرضات هنديات والحارس.
كما شهدت مجريات العدوان على اليمن فصل (مجزرة الحوطة) التي جرت قبل العدوان السعودي الأمريكي الجاري على الوطن بـ 7 أشهر، في 9 أغسطس 2014م، قام عناصر تنظيم القاعدة بقتل 15 جندياً يمنياً (ذبحاً بالسكاكين)، بعد خطفهم من حافلة كانت تقلهم قرب مدينة شبام في محافظة حضرموت, واقتيادهم إلى مدينة الحوطة، بعد التأكد من بطاقاتهم الشخصية، وإلقاء جثثهم أمام المواطنين في الطريق العام، وقيام المنفذين بنشر صور لهم مع قائدهم جلال بلعيدي، وهم يحملون الرؤوس المقطوعة للجنود، في مواقع التواصل الاجتماعي، وتبرير الزنداني لهذه العملية الارهابية بأن ما يحصل في شمال اليمن هو الأشنع.
ووفق السيناريو المخيف لهذا الخطاب المرعب كان يظهر حسين الأحمر وهو يتساءل في مجلسه عن كيفية جز أعناق الرافضة أثناء حصار مجمع دماج السلفي الرافد الرئيسي لفرقة تدريب الذبح والتفخيخ الأولى مدرع ومعسكر كتاف.
سيريالية الرعب
فتح (داعش) باب جهنم على الأرض، منهياً عصر الصلب والنحر والسحل والقطع، فبعد أن فاضت أنهار جثث قتلاه، لجأ التنظيم إلى أسلوب سيريالي جديد أدهش به الجميع، حتى أكبر كتاب سيناريوهات الرعب تعجز مخيلتهم عن ابتكار اسلوب كهذا، وكل ذلك تحت ستار الدين الممنهج عبر مراكز قواعد الاشتباك الصهيونية ـ الأمريكية.
يستند (داعش) في ما يطبقه على تفسيره لفتاوى ابن تيمية ومناهج استحلال دماء وأعراض وأموال الأقوام الكافرة بحسب ما قدمته الوهابية ـ الإخوانية، فالدين عندهم هو المحفز للقتل، وتسقط معه الروادع، ويصبح كل شيء مباحاً، فالذين يقترفون هذه الجرائم يعتبرون أنهم يلغون أعداء الدين، وسيتناولون الغداء مع الرسول وينالون حور العين.
وعبر استراتيجية الترهيب والتمكين، وتطبيق الأحاديث المحرفة النابعة من الاسرائيليات وفتاوى الوهابية، تستند التنظيمات الارهابية المتسترة بعباءة الإسلام، بتصرفات، أعادت العالم كله إلى عصر ما قبل الجاهلية وما قبل العصر الحجري، عبر إعدامات غير مسبوقة في عصرنا الحديث لأشخاص أبرياء.
وما يرتكز عليه (داعش) اليوم تابع للفكر المتشدد لابن تيمية, وهو استنتاجات أو قياسات على بعض نصوص لا صحة أو صوابية لها، فالنبي عليه صلوات الله وسلامه نهى عن التمثيل بالميت، بمعنى أن يقتل الإنسان بطريقة بشعة، أو أن ينكل بجثته بعد موته، إذ قال: إياكم والتمثيل حتى في الكلب العقور، أي حتى في جثة الكلب، ومع ذلك نجد ابن تيمية اعتبر أن الحرق بحسب استنتاجه نوع من العقوبة وتطبيق للحد، وما يسعى إليه التنظيم هو ترسيخ صورته المخيفة والمرعبة والرهيبة، فقد استخدم (داعش) وسائل وآليات القتل كافة، بدءاً من الإعدامات الجماعية، وصولاً إلى آليات قطع الرؤوس، منذ قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي ورفاقه، وصولاً إلى بيتر كاسينغ والرهائن اليابانيين، وبالتالي يبدو أن التنظيم يبتدع الآن وسائل جديدة للموت، وبما أن مشاهدة الموت عن طريق الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس باتت تقليدية ومعتادة، فأتى بطريقة مشهدية جديدة، وهي الإعدام حرقاً، فهذا التنظيم يريد أن يرسخ صورة أقرب إلى العنف في حدوده النهائية، وبما أن طبيعة التنظيم عسكرية أمنية استخباراتية إعلامية عالمية، أي أقرب إلى طبيعة التنظيمات العسكرية النازية، فإن الصورة تهمه كما يهمه واقع العنف.
الصورة التي يحاول التنظيم ترسيخها مغايرة لما عهدناه، فداعش يمارس كل أنواع الضغط العصبي على الشعوب التي بدأت تعاني من حالة القرف منه، إنها حرب أعصاب مكثفة تتنوع فيها وسائل القتل، المتهمة بالزنا ترجم، الخائن يصلب، المثلي يرمى من مبنى شاهق، وأخيراً من يواجههم بالسلاح في الميدان يسحل ويحرق حياً، إنهم يمارسون ما تمليه عليهم طقوسهم المرعبة.
ومن الضمير المحفز، والموجه من عالم دوائر المخابرات الشيطانية، تظهر صورة سيارة بيضاء من طراز (هامر)، الخاصة بزعيم تنظيم داعش بالعراق والشام أبو بكر البغدادي، وهي تحمل ملصقات كتب عليها عبارات وردت في الفتوح الإسلامية، مثل (أسلم تسلم) و(لقد جئناكم بالذبح).
الحديث الأخير, ينسب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم, لأهل قريش (يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح)، الذي رواه عبدالله بن عمرو بن العاص، وصححه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وهو حديث ليس على عمومه، ليقال إن الإسلام أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالذبح كما يزعم السفهاء, فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء رحمة للناس كافة كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين), الأنبياء 107.
ووسط تقارير شبه يومية عن أعمال وحشية يرتكبها مسلحو تنظيم داعش الارهابي، منها بعض (العمليات) المدوية الأخيرة التي تبناها التنظيم، مثل تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، وهجمات باريس, فقد اقتصرت الممارسات التي اشتهرت بها داعش بعمليات أشد فتكاً عبر التاريخ الدموي الموحش للبشرية، وبالذات في مناطق يسيطر عليها هذا التنظيم الارهابي في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ومنها:
قتل الأطفال.. مطلع العام الجاري أعدم داعش 13 فتى في مدينة الموصل العراقية، لمجرد أنهم شاهدوا مباراة لكرة القدم بالتلفزيون، وذلك بدعوى أن مشاهدة مثل هذه المباريات (محرمة شرعاً)، وجرى إعدام الفتيان رمياً بالرصاص، ولم يستطع أحد انتشال جثامينهم خوفاً على حياة عائلاتهم، تعليم الأطفال القتل.. يقوم داعش بتجنيد أو اختطاف الأولاد الصغار في العراق وإرسالهم في ما بعد إلى مراكز تدريبية خاصة، حيث يتم تدريبهم على استعمال السلاح، وبعد بلوغهم التاسعة من عمرهم يجري إرسالهم إلى خط الجبهة، وذلك إضافة إلى اعتماد التنظيم عليهم كـ (دروع بشرية) أو جواسيس أو (متبرعين) بدمائهم من أجل المسلحين الجرحى.
خطف النساء والاتجار بهن.. في العامين الماضيين اختطف التنظيم مجموعة كبيرة من النساء والفتيات الإيزيديات والكرديات والمسيحيات والمسلمات، لبيعهن في ما بعد إلى التجار العاملين في سوق (الخدمات) الجنسية في الشرق الأوسط، وذلك بأسعار تراوحت بين 500 دولار و43 ألف دولار للمرأة أو الفتاة الواحدة، أما غيرهن من الأسيرات فجرى تزويجهن عنوة إلى أعضاء التنظيم, فيما حولت الأخريات إلى أداة للمتعة لهم، وذاع صيت الدواعش كمعذبي ومغتصبي نساء، الأمر الذي دفع الكثيرات منهن إلى الانتحار.
إحراق الناس وهم أحياء.. في يناير الماضي أحرق مسلحو داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وهو حي، في قفص حديدي، وقاموا بنشر تسجيل فيديو يظهر إعدامه، على شبكة الانترنت، وبعدها بقليل قام داعش بإحراق 45 شخصاً في محافظة الأنبار العراقية, وفي مايو الماضي أفادت وسائل إعلام الكترونية بأن امرأة مسيحية من الموصل تبلغ 80 عاماً، أحرقت بزعم أنها خالفت أحكام الشريعة الإسلامية.
الاتجار بالأعضاء البشرية، يمارس مسلحو التنظيم الاتجار بالأعضاء البشرية في السوق السوداء العالمية، معتمدين على جراحين (مستوردين) من الدول الخارجية، أما الأعضاء فتؤخذ سواء من المسلحين القتلى أو من أجساد الأسرى والمخطوفين الأحياء، بمن فيهم الأطفال من الأقليات القومية في سوريا والعراق.
إجراء مذابح طائفية، منتصف فبراير 2015م، أعدم تنظيم (داعش) الارهابي 12 قبطياً مصرياً في ليبيا، والمختطفون جميعهم من أبناء محافظة المنيا، وكانوا يعملون بمهن مرتبطة بقطاع التشييد والبناء، وأغلبهم من قرية (العور) التابعة لمركز سمالوط، وتم ذبحهم كـ (أسرى صليبيين انتقاماً لما يحدثه الغرب بالمسلمين) وفقاً لما بثه ما يسمى المكتب الإعلامي لـ(ولاية طرابلس) التابع لتنظيم (داعش) يومها.
كما قام داعش في 19 ابريل العام الماضي بإعدام وذبح 28 اثيوبياً مسيحياً في ليبيا.
وفي 20 مارس الماضي نفذ انتحاريون من داعش تفجيرات في عدد من المساجد في اليمن، ما أسفر عن مقتل 137 شخصاً وإصابة 347 بجروح، بالإضافة إلى تفجيرين انتحاريين أوديا بحياة حوالي 30 شخصاً في مسجد البليلي في العاصمة اليمنية صنعاء.
استخدام السلاح الكيميائي، في 2014م أفادت العديد من التقارير العالمية، استخدام داعش في المعارك مع القوات العراقية وكذلك ضد المدنيين، غاز الكلور، ففي يوليو الماضي استخدم التنظيم غاز الخردل ضد الأكراد العراقيين، وفي 22 سبتمبر الماضي قضى أكثر من 300 جندي عراقي في هجوم (كيميائي) شنه مسلحو التنظيم، وخلال شهر مارس الجاري أفادت التقارير الروسية بأن داعش بدأت باستخدام السلاح الكيميائي في سوريا.
هولوكست تاريخي
عندما يصبح التعذيب والموت المنظم سلاحاً سياسياً بامتياز، فإننا أمام عقوبة تعكس الرغبة الدفينة بالانتقام من الخصوم والتشفي بجثثهم بعد الإجهاز عليهم والتمثيل بها، وكذلك فإنها تعكس قدرة المجتمعات على الحفاظ على إرث التعذيب والرغبة في ممارسته ما إن تسنح الفرصة لذلك، هذه العقوبة إن كانت تعكس قيمة ما فإنها ستعكس قيمة الإنسان وكرامته وحرمة جسده وآدميته في مجتمع مضطرب ومتناحر تسوده قيم وعقائد وايديولوجيات لا يمثل الإنسان في عرفها أية قيمة إلا بمقدار خضوعه ورضوخه للمصير الذي يتم رسمه له، إنها عقوبة تجعلنا أمام إنسان منتهك الكرامة والوجود، تمارس بحقه عقوبة إجرامية إن كان حياً أو ميتاً، حوادث السحل لم تكن محصورة على بقعة جغرافية محددة، كما أنها ليست نتاجاً إسلامياً خالصاً كما يحاول إظهارها متطرفو الوهابية، فالعديد من بلدان العالم شهدت حوادث إجرامية مخزية خلال فترات من تاريخ صراعاتها السياسية وانقلاباتها العسكرية الدامية.
فمثلاً، لا زال جبين التاريخ يندى بجرائم دموية مخزية بحق البشرية, ومن بين جرائم الإبادة الجماعية على حائط التاريخ الأسود للفكر التكفيري البشع، تظهر الجريمة التي أشرف عليها وباركها (شيخ الإسلام) ابن تيمية فاستحق من أجلها لقب الشيخ المجاهد، هذه الجريمة تمثلت بمجزرة كسروان في جبل لبنان ضد القرى الشيعية، فقد حرض ابن تيمية على دماء المسلمين (علويين وطوائف شيعية أخرى وصوفيين)، وقام بقتلهم ونهب أموالهم وأسر من عاش منهم، ثم شكر سلطان المسلمين الذي أذعن لفتواه في رسالة طويلة.
ففي أثناء معاناة المشرق العربي من بطش الغزاة المغول، اتجه ابن تيمية من دمشق، ومعه الأمير بهاء الدين قراقوش المنصوري، إلى جبل كسروان الشيعي في لبنان، عام 705هـ وقام بتدمير ضياعهم، ووضع فيهم السيف، وقتل أكثر من 50 ألفاً من الشيعة الكسروانيين، أي ما يوازي 0.1% من الجنس البشري في ذلك الزمان.
هذه الواقعة تعتبر من أبشع مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبت، ولم يسلط الضوء عليها بشكل جيد، مع أنها قضت على الآلاف من المسلمين الشيعة في تلك المنطقة.
وبنفس الصورة، كرس الغازي العثماني ثقافة الرعب تجاه كل الشعوب التي اجتاح أراضيها، ففي بلاد السلافيين وبلاد البلقان، استعار الأتراك أثناء غزوهم لهذه البلدان أداة الخازوق البشعة التي اشتهرت بها في التاريخ القديم حضارات بلاد ما بين النهرين، كما أقاموا مذابح مؤلمة بحق الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل القسري في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين، وتقدر أعداد الضحايا الأرمن بمليون ونصف المليون، كما ارتكب العثمانيون مجازر بحق مجموعات عرقية أخرى خلال هذه الفترة، كالسربان والكلدان والأشوريين واليونانيين وغيرهم.
وعلى نهج سياسة الإبادة التي انتهجتها الدولة العثمانية ضد الطوائف العرقية أو حتى الطوائف المذهبية دينياً، قضي على الكثير من العرب في مجازر لا يمكن أن يتصورها عقل، على يد العثمانيين خلال 402 سنة من استعمارهم البشع للأرض والشعوب العربية، تضليلاً وكذباً وافتراء باسم الدين الذي لم يكن لممارسات العثمانيين وسلاطينهم علاقة به، إلا أن كان لارتكابات داعش اليوم علاقة به.
التاريخ سيعود للخلف ويفتح باب الألم العربي من الحكم التركي العثماني، ويرجعنا لزمن السفر برلك، وفي النهاية إلى خازوق الأتراك في جسد الأمة العربية والـ 500 عام من الظلام وحكم حريم إستانة السلاطين للعالم العربي.
لن ينسى التاريخ مجازر السلطان سليم بحق 40 ألف عربي في مناطق حلب والمعرة وغيرها بعد دخوله لتلك المناطق عام 1517م بعد انتصاره على سلطان المماليك ودفنهم أحياء في الآبار والحفر، كما لم ينس التاريخ العربي المتواري خلسة ورهبة ما ارتكبه العثمانيون من مجازر بحق أبناء عروبتهم من المسيحيين والدروز والعلويين، سبع مذابح بحق المسيحيين، منها ثلاث في دمشق وأربع في حلب، وسبع مذابح بحق الدروز، وست مذابح بحق العلويين.
لم يتوار العثمانيون من جرائمهم التاريخية في يوم واحد قتلوا أكثر من 10 آلاف مصري، وكانوا يسلخون جلود اليمنيين وهم أحياء خلال الفترة التي بسطت فيها الدولة العثمانية سلطتها على بلاد اليمن خلال فترتين الأولى من عام 1539 وحتى 1634م والثانية من عام 1872 وحتى 1911م.
ولم ترحم عقدة الهولوكوست اليهود من ممارستها حتى على أبناء طائفتهم فمع نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، استجلب يهود اليمن من كل قرية إلى عدن أثناء الاحتلال الانجليزي لها، بهدف الهجرة إلى الأرض الموعودة، رحل البعض ورفض البعض الآخر فكرة الرحيل عن وطنهم الأم اليمن، ليتم بعدها إحراق اليهود الرافضين للهجرة وهم أحياء في منازلهم، تحت إشراف وكالة الهجرة القومية اليهودية.
ومثلت حالة الثأر المتراكمة تاريخياً عند اليهود الصهاينة، بالتعرض للطوائف الاثنية القاطنة في بلاد ما بين النهرين (العراق) وبالذات طائفة اليزيديين، من خلال هجمات وحشية عبر أداتهم (تنظيم داعش) الذي قتل ذكور هذه الطائفة، وسبى نساءها، بعد سقوط الموصل وسيطرة التنظيم الارهابي على مدينة سنجار الأيزيدية.
كان الحقد يتوارث تاريخياً ويتجلى اليوم بكل بشاعة، فقد جاء في أسفار العهد القديم أن الملك الأشوري البابلي نبوخذ نصر الثاني، اجتاح القدس عام 587 ق.م ودمر الهيكل، وقتل جميع الجبابرة وأولي البأس من الرجال، وسبى النساء، وأخذ الأطفال والمساكين كعبيد لأهل بابل.
لقد شهد العالم في العصر الحديث، العديد من هذه الجرائم والتي طالت الكثير من السياسيين والزعماء كما طالت الكثير من الأبرياء المدنيين.
عام 1965م اغتيل السياسي المغربي المهدي بن بركة (أكبر معارض اشتراكي للملك الحسن الثاني، وزعيم حركة العالم الثالث والوحدة الأفريقية)، في قلب العاصمة الفرنسية، ودفنت جثة بن بركة على نهر السين بالقرب من الفيلا التي كان محتجزاً بها، لينقل بعدها الجثمان إلى الرباط على متن طائرة عسكرية مغربية، وتم التمثيل بالجثمان عبر إذابته في حوض من الأسيد في أحد المقرات السرية للمخابرات المغربية.
في أحداث أغسطس 1969م نفذت سلطة 5 نوفمبر 67 (إحدى أدوات الرجعية السعودية) في اليمن، اغتيال عبدالرقيب عبدالوهاب بطل حرب السبعين يوماً وقامت بسحل جثته وسط شوارع صنعاء وإلصاق هذه الجريمة ذهنياً وسط المجتمع بأنها تعود لمناطقية اطلقوا عليها منذ ذلك اليوم زوراً وبهتاناً (سلطة المركز المقدس) لقبائل الشمال.
في أغسطس 2011م وبعد تعرض ليبيا لهجمة عسكرية من قبل الناتو والجماعات السلفية الجهادية، تم قتل قائد ثورة الفاتح العقيد معمر القذافي وسحله والتمثيل بجثته (تعرض لاعتداء جنسي قبل قتله) وبفتوى من القرضاوي، وتعرض الآلاف من أنصاره للتصفية الجسدية والاعتقال.
فيما أصبحت ظاهرة السحل, وعلى ندرتها خلال الفترة القريبة الماضية، مثار ذعر وخوف وسخط عظيم لواقع معاش خلال تلك المرحلة, حالة ذهول مواكبة لهذا القدر من الاحتقار والامتهان الموجه للإنسان ولكرامته ولحرمة جسده, فسحل إنسان من قبل شرطة الدولة الاخوانية أو سحل جثة إنسان ميت من قبل شاب سلفي يعكس مقدار الحقد والثأر والرغبة بالتشفي.
فالدرس البليغ والمباشر الذي قدمته مجزرة زاوية أبو مسلم بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة المصرية والتي راح ضحيتها رجل الدين المصري الشيخ حسن شحاتة (67 عاماً) تمثل بمدى تراخي السلطة عن محاصرة خطابات الكراهية والتكفير، والسماح بازدراء الأديان إلى هذه النتيجة.. القتل والسحل والتمثيل بالجثث.
فيوم الأحد (23 يونيو 2013م) يعد نقطة سوداء في تاريخ مصر والأزهر الشريف, وجريمة نكراء افتتح بها حكم الإخوان عهدهم الميمون, مصر التي حكمها الفاطميون الشيعة ولم يسفكوا على أراضيها قطر دم واحدة, ولم يكرهوا المصريين على تغيير مذهبهم, ولم يفرضوا التشيع وهم أهل حكم وسلطان, ويأتي اليوم من يحدثك بوقاحة وسذاجة أن السائح الشيعي قد يهدد التسنن في مصر.
هذا فاخر حينها مشائخ السلفية بأن الرئيس الإخواني وعد باستئصال رموز التشيع من مصر, ومحاصرتهم وتضييق الخناق عليهم, من يتصور أنه كان هناك أرقام للطوارئ لتلقي الشكاوى من المواطنين الكرام عن أي تجمع شيعي.
ومن هنا ليس بمستغرب ما حدث للشيخ شحاته ورفاقه الثلاثة عندما قام المهاجمون بقتلهم وإضرام النار بالمنزل الذي كانوا فيه وهم يحيون احتفالاً دينياً, السيناريو البشع هذا مرشح للتكرار في ظل تغذية الأحقاد المذهبية في المنطقة, وتراخي السلطات عن مسؤوليتها تجاه حفظ النسيج الاجتماعي, والضرب بيد من حديد على كل من يتجاسر على العبث بالسلم الأهلي, وبث سموم الكراهية وازدراء الأديان وتكفير طائفة من المسلمين وإخراجهم من الملة, وعدّهم كـ (أرجاس) و(أخطر من اليهود) وينبغي (تطهير البلاد) منهم, وذلك بمحضر من أعلى سلطة سياسية في البلد, وهو ما يعد تشجيعاً ورعاية مباشرة لثقافة التكفير والتكريه والقتل وسحل الجثث والتمثيل بها, وهي خطابات نجد لها نظائر كثيرة في اليمن والبحرين في ظل مستوى (الرعاية) و(التبني) من قبل الجماعات الدينية الأصولية والأجهزة الرسمية والمخابرات الدولية.
(المصدر / صحيفة لاء)