عاشق صنعاء
ماهر عقبة
كنت ولا زلت فيلسوف الشعر وأستاذ الأدب ورائحة العشق العريق ودكتور الدهاء العربي المتجذر في الذاكرة ومثلما تعلقت صنعاء فيك وساماً ترعرع على وجنتيك، ها أنت تعلقت فيها نسيماً يتخلل أزقتها بالسحر والشذى والتاريخ وكأنك في خد صنعاء شامةً تألقت بالحُب وقُبلةٍ مُزجت بالفن ولحناً تراقص كالجمال الآزالي والعقيق المتلألئ لم يكن عبدالعزيز المقالح فينا نَفسَاً عابراً بل شعباً مكتملاً بانتمائه ووطنيته وجيلاً اختزل مسيرتهُ في قلمٍ نُقِش بين أنامل الشِعر من بُرعمٍ نبت في بنا إلى وطنٍ أثمر في مهجة صنعاء ياقيس العشق اليماني الذي لم يخن ، ويا هامة الثراء اللغوي الذي لم ينضب ها أنت في أحلك الظروف وحين تلون الشُعراءُ بِفعلِ فاعل وتذبذب النُقادُ بوشوشةٍ من مجهول بقيت أنت ذلك الرزين العقل والأصيل الهوية والعميق المبدأ لم تجرِفُكَ سيول الصحراء ولم تُغركَ رِمال تذرى على الجيوبِ أموالاً لشراء الذمم تشتري كل من وافقَ على بيع جِلدهِ القديم الذي ولد فيه وارتداهُ طيلةَ حياتهِ الفائتهْ ليصبح بعدها بوقاً يتحدثُ بِلسانِ الحُفاةِ وغطاءاً يتسترُ بِسحرِ البيانِ على جرائمهم عبدالعزيز المقالح لم يخيب ظن الوطن في وفائهِ وصلابتهِ وثقتهْ سيبقى تراثاً لا يصلح إلا لليمن ولساناً لا يتغني إلا بها مُعتزاً بنا قدر إعتزازنا بهِ دكتور عبدالعزيز أنا واثق أن كل حُصنٍ قُصِف بحقد الأعداء كان يدميك وكل تُراثٍ نُسِفَ بِغلِّهِم كان يؤذيك وكل نفسٍ أزهِقت بتعديهم كانت تلفظ آخر أنفاسها من رئتيك فكانت حروفك تبكي مثلنا عندما تعدت خيمة البداوة على عقيق ليلى وعرش بقليس عندما تطاول الأعرابُ على سيف أسعد وتعدى الزجاجُ على قِلاعِ حميَّر عندما تحولت أعراسُ بلدتِنَا إلى مأتم فأقسمت حيرة البُسَطاءِ على مواصلةِ الفرحِ المُختَلِف لِتَزفَ عِرسَانِ الشهادةِ إلى عسل الخلود الدائم ومازالَ كل شِبرٍ على أرضِنَا هدفاً مشروعاً لِحُكَامِ العِشقِ الممنوع ( لعنتهم الأحفادُ في أصلابهم ونفتهم الأجيالُ جيلاً جيلا ) صدقت عندما عادوا إلينا في عِلبِ الموتِ وقاذفاتِ الدمار حلت عليهم لعنةُ الأحفادِ من الأصلاب إلى سراديب الفنادق وغرائزِ الملاهي .