للشيخ محمد الغزالي
الحمد لله ، له أسلمت ، وبه آمنت، وعليه توكلت ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد ،،،
يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ}(1).
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآيتين السابقتين: ({وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى} أي إِذا أُخبر أحدهم بولادة بنت {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} أي صار وجهه متغيراً من الغم والحزن، قال القرطبي: وهو كناية عن الغم والحزن وليس يريد السواد، والعربُ تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسودَّ وجهه {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي مملوءٌ غيظاً وغماً {يتوارى مِنَ القوم مِن سوء مَا بُشِّرَ بِهِ} أي يختفي من قومه خوفاً من العار الذي يلحقه بسبب البنت، كأنها بليَّة وليست هبةً إِلهية، ثم يفكر فيما يصنع {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب} أي أيمسك هذه الأنثى على ذلٍ وهوان أم يدفنها في التراب حية؟ {أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي ساء صنيعهم وساء حكمهم، حيث نسبوا لخالقهم البنات – وهي عندهم بتلك الدرجة من الذل والحقارة – وأضافوا البنين إليهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ) (2).
يوافق يوم الثلاثاء القادم الثامن من شهر مارس (آذار) ذكرى يوم المرأة العالمي ، ومن المعلوم أن الإسلام كرَّم المرأة ورفع شأنها وأعلى قدرها، وجعلها أختاً للرجل في الطاعات والعبادات وأعمال الخير، كما في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ منكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}(3).
إن وضع المرأة قبل الإسلام كان سيئاً، فالبعض لا يعتبرها من البشر، والبعض الآخر يحرمها من أعزّ حقوقها وهو حق الحياة، وهناك الأنكحة الفاسدة التي تُقَلِّل من شأن المرأة بل تُهدد كرامتها .
ونحن هنا نود أن نبين مدى عناية الإسلام بالمرأة، حيث إن الإسلام منذ أن أشرقت شمسه وعمّ نوره الكون، قدْ عُني بالمرأة عناية كبيرة لا مثيل لها ، فالحقيقة التي يسجلها التاريخ أن الإسلام أعطى المرأة من الحقوق ما لم تعطها لها القوانين والتشريعات الحديثة، فمع بزوغ فجر الإسلام عادت للمرأة كرامتها ومكانتها وحقوقها .
فعندما نتحدث عن المرأة علينا أن نعلم بأن المرأة هي الأم: التي جعل الإسلام الجنة تحت قدميها، وهي الزوجة: ما أكرمها إلا كريم وما أهانها إلا لئيم، وهي البنت: التي من أدبها فأحسن تأديبها
وعلمها فأحسن تعليمها كانت له حجاباً من النار، وهي الأخت والعمة والخالة: فهي الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.
لقد كرَّم الإسلام المرأة تكريماً عظيماً كما في قوله تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى }، فكانت الخطوة الأولى أن حرّم الإسلام وأدهن { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }(4)، حيث كان الواحد منهم يَئِدُ ابنته وهي حية، كما جعل الإسلام لها عقيقة تُستقبل بها حين ميلادها (كُلُّ غُلامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وُيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى) (5).
ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف سبق الأنظمة الوضعية بقرون عديدة في تكريمه للمرأة ، حيث تتلألأ صفحات التاريخ الإسلامي بأسماء النساء اللاتي كُتب تاريخهن بمدادٍ من نور ، كأمهات المؤمنين أمثال : خديجة، وعائشة ، وزينب -رضي الله عنهن أجمعين -، وكذلك خولة ، وأسماء، وسمية ، وفاطمة –رضي الله عنهن أجمعين -، وغيرهن كثير ، حيث ضربن أروع الأمثلة في نشر العلم والنور والدفاع عن ديننا الإسلامي الحنيف، فالنساء شقائق الرجال.
نماذج للنساء المؤمنات
لقد كانت المرأة منذ فجر الدعوة جنباً إلى جنب مع الرجل، فقد آمنت بالله ورسوله وتعرضت للتعذيب والإيذاء مثل الرجل ، وهاجرت إلى الحبشة فراراً بدينها ، وهاجرت إلى المدينة دار الإسلام وحصنه ، وجاهدت بكل ما أُوتيت من قوة لإقامة الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة المنورة {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} ( 6) .
عمر بن الخطاب … وخولة بنت ثعلبة
ذكرت كتب السيرة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – خرج ذات ليلة من المسجد ومعه الجارود بن المعلَّى فرأى خولة في الطريق ، فقال: السلام عليك يا أم عامر، فردَّت عليه السلام ، ثم قالت: هيهات يا عمر! عهدتك وأنت تُسمَّى : “عُمَيْراً ” في سوق عكاظ، ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سُميِّت:”عمر” ، ثم أصبحت أمير المؤمنين ، فاتَّقِ الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد ، قرَّب الله عليه البعيد؛ ومن خاف الموت ، خشي الفوت ؛ ومن أيقن بالحساب، خاف العذاب.
فقال لها الجارود : قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال له عمر: دعها، أما تعرفها؟ هذه خولة، التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر، فلم يدعْها عمر – رضي الله عنه -حتى قضى حاجتها ، ثم كانت هي التي انصرفت عنه.
وقال عمر لمن معه : والله ، لو لم تنصرف عني إلى الليل ما أنصرفت عنها، إلا أن تحضر صلاة الفجر ، فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها ، رحم الله عمر الذي يتقبَّل النُّصح ، ورحم الله خولة الناصحة (7).
مهرها الإسلام
كان أبو طلحة فارس بني النجار، وله منزلة محمودة بين قومه، ولما علم أبو طلحة أن أمَّ سُلَيْم تُوفى عنها زوجها ذهب إلى خِطْبَتها قبل أن يسبقه أحدٌ إليها، حيث كانت أم سُلَيْم راجحة العقل حسنة الصفات.
فلما ذهب يخطبها قالت له : يا أبا طلحة ، مثلك لا يُرد لكني وأنا مسلمة وأنت مشرك، فقال لها : لعل هناك من هو أكثر مني ذهباً وفضة! فقالت له : أُشهد الله ورسوله إن أسلمتَ يا أبا طلحة رضيتُ بك زوجاً من غير ذهب ولا فضة ، وجعلتُ إسلامك لي مهراً .
ففعل، فكان المسلمون يقولون : ما سمعنا بمهرٍ قط كان أكرم من مهر أم سُليم ، فقد جعلت مهرها الإسلام.
أُمُّ شريك … تُسقى من السماء
(أم شريك هي : السيدة غُزيَّة بنت جابر بن حكيم الدوسية، أسلمت وهي بمكة، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها، وقالوا : لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، لكنا سنردك إليهم .
قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء، ثم تركوني ثلاثاً لا يطعموني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوثقوني في الشمس واستظلوا هم منها، وحبسوني عن الطعام والشراب.
فبينما هم قد نزلوا منزلاً وأوثقوني في الشمس إذا أنا ببرد شيء على صدري، فتناولته فإذا هو دلوٌ من ماء، فشربتُ منه قليلاً ثم نُزع مني فَرُفع، ثم عاد فتناولته فشربتُ منه ثم رُفع، ثم عاد فتناولته ثم رُفع مراراً، ثم تُركت فشربت حتى رويت، ثم أفضتُ سائره على جسدي وثيابي.
فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ قلت: لا والله ولكنه كان من الأمر كذا وكذا، قالوا: لئن كنت صادقةً لدينك خيرٌ من ديننا ، فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها، فأسلموا عند ذلك) (8 ).
فألف تحية لكل النساء المخلصات العاملات لخدمة الدين والوطن ، ألف تحية إلى كل أم ، وزوجة ، وبنت ، وأخت ، ألف تحية إلى الرجال والنساء العاملين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ( 9 ) .
نسأل الله أن يحفظ رجالنا ونساءنا، وأبناءنا وبناتنا، وأمتنا، ومقدساتنا من كل سوء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.