تتعدد معاناة ما بعد القصف بين السكن والغذاء والأمان النفسي

مكفوفو مركز النور : بيتنا الدافئ يحتله شبح عدوان أعمى

تحقيق/ سارة الصعفاني-رجاء عاطف

عدوان غاشم لم يستثنِ شيئاً وتوحش هستيري طال حتى مركز النور للمكفوفين بداية هذا العام وذلك بصاروخين أحدهما لم ينفجر، لولا عناية الله ولطفه لفارق الأطفال والمشرفون الحياة.. رغم المتابعة وقت الحادثة إلا أننا لم نعلم مصير هؤلاء الطلاب الذين كانوا يقيمون في المركز بعيدا عن أهاليهم ، فهل كان مصيرهم للمجهول أم إلى أين ساقتهم  والذي طالما ولم يدخلوا في الخلافات السياسية وليس عليهم أي جرم حتى تطالهم هذه العدوانية البشعة من نوعها على مجرى التاريخ..
” الثورة” تفقدت واقع المركز ومصير الأطفال بعد تدمير المباني والبنية التحتية وتضرر الوسائل التعليمية وممتلكات الطلاب.. إلى التفاصيل:
بكثير من الحزن والأسى يحكي الطفل أحمد مرشد، ذو الثالثة عشرة من عمره، أنه فقد عينيه منذ عامين في حرب صعدة بحرف سفيان، كان حينها طفلاً لا يفقه شيئاً وصلت الشظايا لفناء المنزل وهو يلعب الأرجوحة، وهنا يكمل: بعد الحادثة فقدت عيني اليمنى وكنت أرى قليلاً باليسرى وأعمل لأساعد أهلي لكنني خضعت لعملية في مستشفى ابن الهيثم على إثرها فقدت الرؤية تماماً.
انتقل من محافظته لمركز النور للمكفوفين في أمانة العاصمة بعد ذلك ليتعلم وهو الآن في الصف الرابع الابتدائي، كان أحمد وغيره من الزملاء الذين أتوا من الكثير من المحافظات ينامون في السكن الذي تم استهدافه من قبل العدوان، وهنا يسرد تفاصيل ليلة قصف المركز، قائلاً : كنت مستيقظاً أفتش عن ثلاجة الماء، كان صوت الانفجار عنيفاً للغاية وتكسر الزجاج وسقط الأثاث مما أرعبني فبكيت وبقيت في مكاني، وصديقي في نوم عميق واستيقظ مستغرباً بكائي ومن شدة الرعب للهرب تأذيت في قدمي بالزجاج المتطاير في كل مكان بينما أصيب زميلي في أماكن متفرقة من جسده .
افتقاد العودة والأهل
من المؤلم ان ترى في الأسرة أكثر من طفل ضرير، كذلك لم يكن أحمد هو من فقد بصره بل أخوه الأصغر منه سناً يدرس في الصف الثاني الابتدائي والذي على حد قول أخيه أصيب بالعين ومن حينها أصبح كفيفاً لا يرى شيئاً وانتقلا معا لمركز النور للتعليم فكان له النصيب الكبير من القصف، حيث سقط دولاب الملابس عليه وأصابه وهو إلى اللحظة عند أسرته لم يعد إلى المركز .
ها هو أحمد في ملامحه الطفولية البريئة وبعد هذا العدوان السافر يفتقد أسرته بهذا الوضع المخيف إلا أن ظروفهم المادية حالت دون الذهاب إليهم بعد القصف وأيضا من قبل ذلك .
غير متوقع
توفيق القدسي- 18 عاماً من محافظة تعز ،طالب يدرس في مركز النور منذ ثمان سنوات وهو في التاسع أساسي- كان أيضا مستيقظاً ليلة قصف تحالف الإجرام على المركز وهنا يقول : قبل القصف كنت أسمع أزيز طائرات العدوان وانطلاقة الصاروخ توحي بقرب المكان لكنني لم أتوقع أن يُستهدف المركز إلا أن صوت ارتطام عنيف وتهّشم النوافذ وسقوط باب البلكونة عليّ وصراخ زملائي والمشرفين قطع الشك باليقين، متابعاً: نقلنا أهل الحي والمشرفين للمسجد وكان المشرف يريد التواصل مع أهلي لكنني رفضت خوفاً من إفزاعهم في ساعة متأخرة من الليل وما أن طلع النور حتى وجدت عمي وخالي جاءوا لأخذي ومكثت عندهم لأسبوعين وكنت أتمنى العودة لمدينة تعز لكن خط الطريق مقطوع، فعدت لمكان الإيواء البديل عن المركز “الفندق”، لكنه لا يخفي خوفه من العودة للمركز خشية معاودة قصفه..
طالبو العلم والمعرفة
كانت هذه الأحداث كفيلة بإدخال الرعب في قلوب هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة ولا ذنب لهم إلا أنهم جاءوا لطلب العلم من مختلف محافظات الجمهورية اليمنية لم يكن المركز مخزن أسلحة أو معسكراً يتدربون فيه ..كان هو دارهم الذي يؤويهم ويشعرون بأمان منازلهم فيه جاءوا ليتدربوا فنون الحركة والكتابة والقراءة ليعتمدوا على أنفسهم في ظل وضعهم وفقدان بصرهم .
وفي هذا السياق قال يحيى الدروبي -وكيل مركز النور للمكفوفين بأمانة العاصمة: بأن العدوان الغاشم استهدف أطفالاً مكفوفين أعمارهم ما بين (6-18) سنة، جاءوا للمركز طالبين للعلم والمعرفة والعناية من محافظات مختلفة ومناطق نائية لكنها الغطرسة والإجرام السعودي الذي خلف دماراً شبه شامل في المباني والبنية التحتية وتضرراً كاملاً للوسائل التعليمية والممتلكات وأتى لتحطيم كل شيء.
سرعة نقلهم من السكن
وعن تفاصيل ما حدث ليلة القصف يقول : أوى الأطفال للنوم كالعادة وعددهم 5 طالباً ،وفي حوالي الساعة الواحدة والنصف ليلاً تم قصف المركز قصفاً مباشراً بصاروخين أحدهما لم ينفجر بعد أن سقط في الدور الثالث المخصص لغرف النوم، ولولا عناية الله لفارق الأطفال والمشرفون الحياة، فكان الرعب والفوضى وتهشم للزجاج في ظلمة الليل وإصابات فيما حاول العاملون في المركز مع أهل الحي إجلاء الأطفال من السكن الداخلي مخاطرين بحياتهم وبأقصى سرعة خوفاً من تكرار القصف ، وتم نقلهم لأحد المساجد القريبة من السكن وثم تحويلهم لمدة ثلاثة أسابيع للدراسة في دار التوجيه للبنين كون مبنى السكن متضرراً وفي طور الترميم، وأضاف أن معظم طلاب السكن الداخلي ليسوا من طلاب أمانة العاصمة فتم استئجار فندق جوار المركز والذي كان برعاية أمانة العاصمة وكذلك الترميم، وقد عدنا للمركز مؤقتاً لإجراء الامتحانات النصفية ثم العودة للفندق.
صدمة للجميع
وبحسب المشرفين على المركز عن تأثير القصف في نفسيات الطلاب وتلقي أولياء الأمور خبر استهداف المركز وأبناؤهم متواجدون فيه أكدوا أنه رغم استهداف العدوان كل مقومات الحياة إلا أنه قصف دار للمكفوفين جريمة غير متوقعة لا تضاهيها جريمة في بشاعتها ومخالفتها للقيم الإنسانية والأخلاقية والتشريعات القانونية وبأن التأثير كبير وبالغ على نفسية الأطفال، خاصة أن القصف كان في منتصف الليل، وعن دورهم وجهودهم كمشرفين وأخصائيين في تجاوز تأثير ما حدث أشار وكيل المركز بأنه تم تقديم دورات دعم نفسي وتخصيص يوم مفتوح في المركز للترفيه والتخفيف من معاناة الأطفال في هذه الظروف الصعبة والتي تعتبر صدمة عنيفة للجميع.
وأضاف: زادت الإشاعات رعباً وقلقاً للأهل ما دفع البعض لأخذ أبنائهم حتى اليوم خوفاً من تكرار القصف ، وفي ختام حديثه يشير إلى أن المركز يحتوي على سكن داخلي للطلاب ومدرسة للتعليم ويتكفل بكل الإمكانيات التي تقدم للطالب من مأكل ومشرب وملبس وصحة وتأمين وخدمات تأهيلية وتربوية، منوهاً بأن 95 % من دعم المركز هو من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، متمنياً أن تقوم الجهات المسئولة بواجبها في دعم المركز لجميع المجالات سواء المادي أو المعنوي والنفسي وأن غلاء الأسعار فاقم من المعاناة.
الفندق المكان البديل
من جهته أوضح جميل الحميري-مدير مركز النور للمكفوفين أن عدد من كانوا في المركز ليلة القصف يوم 5 /1/ 2016م هم (110) أشخاص منهم (90) طالبا كفيفاً، بينهم 17 طفلاً أعمارهم تحت سن الخامسة عشرة، تغيب بعد القصف وحتى اليوم 14 طالباً فيما (40) طالباً لم يحضر للمركز منذ بداية العام بسبب ما تشهده البلد من أوضاع صعبة مادية وأمنية، مؤكدا أن الطلاب والمشرفين يسكنون الآن في الفندق، حتى يتم ترميم السكن وهو ما سيتأخر كثيراً لعدم توفر الدعم المالي ولم نفكر في تغيير المركز لمكان إيواء بديل بعد الترميم فيما البدروم مخصص للصفوف الدراسية وليس مهيأ للعيش وإلى جانب ذلك أن غالبية محتويات المركز تدمرَّت, ومشكلتنا في المركز قلة الدعم رغم وجود سكن داخلي وحيد للمكفوفين، والمتطلبات كثيرة من تغذية وصحة وتعليم وترفيه وتنقل، كما أن طلابنا من جميع محافظات الجمهورية وغالبيتهم من أُسَر بسيطة ويعيشون في السكن الداخلي ولا يجدون حتى ثمن تنقل لزيارة أهلهم لاسيما القادمين من المدن والقرى، فكثير من الإنسانية والدعم النفسي والمادي لهؤلاء الأطفال وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة واجب إنساني وديني وأخلاقي ووطني.

قد يعجبك ايضا