أجوبة الأسئلة المريرة، عن ثورة 11 فبراير

فارس العليّ

استثارني أحد رفاق النضال والثورة الصديق زيد خريم ببعض الأسئلة التي كنت اكتب في صفحتي على موقع الفيسبوك بين حين وآخر هواجس حول مواقفي من ثورة 11 فبراير بعد أن وصلت اليمن إلى هذا الحال، وآرائي تجاه مستقبل تلك الثورة المنتهبة.
11 فبراير ينبوع ضوء لضمأ شعب تعطشه قرابة ثلاثة عقود ونيف ، منذ اظلم الوطن برحيل عين ذلك الينبوع ابنها البار الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، فقد حجبته عن الشعب مراكز قوى قبلية وعسكرية وحتى سياسية ، وطيلة تلك الفترة رزح اليمنيون في سلطة فساد وإقطاعية ومحسوبية حالت دون التحول الديناميكي لعملية التنمية الواسعة بشقيها ، والتي كان قد بدأها الحمدي رحمه الله، وبهذا يكونوا قد عملوا بكل الوسائل دون الحؤول استمرار تجربة وليدة اسمها دولة المؤسسات المدنية الحلم الذي ضحى في سبيله بحياته وحياة رفاقه ، بمؤامرة داخلية اقليمية دولية ، وخلال هذه الفترة لم تقدم النخب السياسية المعارضة مشروعا وطنيا لانتشال هذا الشعب المكافح الأصيل بل كانوا حجر عثرة أمام أي تبلورات سياسية جديدة، مارسوا نفس سلوك السلطة في الاستئثار وإبعاد أي طاقات شبابية قادرة على تجديد دماء الفكر والعمليات التنظيمية والسياسية، ما سهل تكريس بقاء الحاكم لثلاثة عقود ونصف ، وظل الشعب تحت وطئة الاستبداد والاستبعاد والظلم والجوع وتدني كبير في مستويات الخدمات العامة والأساسية، وحين جاء موعد الحرية وإعادة الحلم كان الشعب بطليعة شبابه العظيم قد سئموا الانتظار وذاقوا الويلات وسط مطرقة حكم صالح وسندان المعارضة التي أوهمت صعوبة إجراء أي تغيير في موازين الحكم رغم الاهتزازات التي أوضحتها انتخابات الرئاسة التي نافس صالح فيها مهندس التغيير فيصل بن شملان ، تأخرت صافرة البدء لكن كانت نفخة واحدة بداية كافية من شباب جامعة صنعاء ليلتقطها شباب الحالمة تعز ، وهكذا غردت الثورة في كل المدن والمحافظات.
هذا الحدث العفوي الشبابي الذاتي والمستقل كان ناقوس خطر ليس على سلطة صالح وحسب بل وعلى قيادة أحزاب المعارضة، لأن ثورة كهذه يعرف عجائز المعارضة انعكاساتها الخطرة على وجودهم في الداخل التنظيمي.
الأمل كاد يكون قاب قوسين وأدنى لحصد ثمار هذا الفعل الثوري السلمي المميز ، والذي أعاد لحمة الشعب ووحد صوته بتلك الفاعلية والتضحيات التي أذهلت النظائر ، وبشرت بعودة حلم دولة المؤسسات المدنية إلى أحضان الشعب من جديد ، واستوعب الشباب الدرس الخافي وكانت الرؤية تنضج كل يوم أكثر حول الأدوات الصحية لمعالجة المشهد السياسي في اليمن على مستوى مؤسسة الحكم والمؤسسات السياسية، وبينما كان الشباب يقدمون التضحيات والبطولات في ميادين وساحات الثورة كانت نفس القوى في المعارضة والسلطة يتبادلون  الأدوار ، ويصوغون مشهد المسرحية الدراماغوجية ثم توزعوها بأقدار متفاوتة استنادا للقوة ، ورواغ الخطاب السياسي العبثي الذي كانون يؤهلون الشعب للدخول ضمن مشهدهم الخاص ، وظلوا يراوحون أي حسم ثوري وفي الساحات تتدفق دماء الثوار وهم يحاولون الخروج من جلابيب الأبوة القاتلة ،كان هناك شباب حزبيون لكن الكثير منهم كانوا أنقياء وضد أي سيطرة أو استغلال للمشهد من أحزابهم ، إنما عدم امتلاك الخبرة الكافية وعدم نضوج المشروع وعدم توحد الآراء وإيجاد قيادة متماسكة ، كان له دور كبير فيما حدث من تحولات إلى جانب عوامل التعقيد السياسي والعسكري وتبعية زعماء القبائل ووﻻئهم للمصالح الذاتية المشتركة مع باقي قوى الإقطاع ، وبتعزيز الخطاب الديني ودوره المشرعن لبقاء هذا الشكل الاستغلالي كان له أثره الكبير في مجتمع يمني يمثل الوعي نسبة ضئيلة في فئاته وشرائحه وتمثل مفردات الخطبة لغة مسموعة ومقدسة لطالما جعلت الكثير أكثر جبنا من أي تغيير .
السيناريو كان مناسبا للانفعال الثوري لكنه امتد كثيرا إلى أن انتزعت خصائص الثائر من لحظته المنفعلة والتي تتسم بالعشوائية والأخطاء ، لكن كلما كان هناك مشروع ناضح لدى الثائر كلما تقللت هذه الارتباكات ، وشيئا فشيئا كان لدينا واقع ثوري في الساحات قريب لتوصيف “الثورة الإدارية”وهو مصطلح كنت قد أطلقته و كتبت عنه مقال نشرته إحدى الصحف المحلية نهاية 2011م، وهنا يكون واقع الثورة اقرب الى حالة حضور وانصراف كأي دوام رسمي ، فقدت الثورة زخمها منذ أن قبلت برموز الفساد اوﻻ ثم قبلت بأن تأخذ الأحزاب أماكن ثوارها في تولي زمام القرار والتصريحات والمفاوضات.
بداية الخطأ والخطر .. منذ أن جلس الثائر داخل خيمته يتابع الفضائيات التي يصدر عبرها زعماء الأحزاب وقياداتها بتصاريحهم الخطاب الذي كان يتشكل بين حين وآخر مشهد لا يناسب الثائر في الساحة ، منذ أن صفقنا لأفعال وممارسات ليست من صميم ارتباكنا الحر ، منذ بدأ حزب الإصلاح يصنع شخوصه ومبادراته واقتراحاته داخل الساحة وعكسها للخارج ، منذ أن سهر الثائر ليلا وأنتظر وجبة الغداء نهارا، منذ أن زادت وتراكمت الأخطاء وطفئ سطح الإشكالات والمشاكل بين الثوار..
منذ كل ذلك وأكثر إلى أن جاءت المبادرة الخليجية بآخر وأد قسم ظهر الثورة ومزق أهدافها ومبادئها ، وهنا فقط لحظة فارقة وانتكاسة كبيرة في حق كل ثائر وفي حق الثورة، مبادرة الخليجيين كانت الخيانة التي حذرنا وقتها من تداعياتها المزمّنة والمُجهِلة والاقصائية والمناقضة جملة وتفصيلا لكل معنى في الثورة، بالمبادرة الخليجية كانت الثورة قد أصبحت في حكم مسمى ومفهوم جديد ، قفز قذر، وتآمر دنيء ليس من قبل سلطة صالح الذي ثرنا لإسقاطه؛ لأنه خصمنا الواضح من البداية، بل من قبل من كانوا ضمننا الثوري ، قيادة أحزاب الرجس المشترك والأطراف الخليفة والمتحالفة المتخالفة ضد شباب الثورة وثورتهم الفارقة والنبيلة..
تداخل كل شيء وتدفقت الإغراءات منتظمة بممارسات اقصائية وعزل وحالات الاعتقال، وحتى عمليات قتل طالت ثوار داخل الساحة، حيث كان الجهاز الأمني القمعي قد امسك بزمام الأمور ومتحكم في مجمل الحركة الثورية، كان يسند ذلك رضا تام لسلطة أحزاب سيطرة على مفاصل الفعل الثوري وقوضته لصالح دعم قراراتها ومصالحها الشخصية .
ما حدث ليس إلا على سبيل واقع انسداد وعجز شبه تام لواقع الثورة الذي أصبح راكدا، آسناً وتفوح منه سوء القذارات والدسائس وتوزيع صكوك الثورة ونياشين البطولة والهزل والسخرية والتشكيك من كلما له علاقة بالنقاء والنصح الثوريين … وبعدها أصبحت سلطة التوافق والتحاصص أكبر وليد فاسد في تاريخ اليمن، والموجع أنه أُلحق و نُسب للثورة عنوة كما يقول صالح وأتباعه : بصراحة هذا ما ولدته ثورتكم في حين شباب الثورة خارج المشهد من الأساس جملة وتفصيلا.. الآن عن أي ثورة سنحتفل ؟ ما هي الجزئية التي سنصفق بابتهاج لها وقد حولوا ذكرياتها إلى كوابيس ؟ تخرج من هذه الثورة أكبر لصوصيين و وصوليين ، وبقي السواد الأعظم من الثوار الأنقياء مقيدين يتلوون ويتكومون ذوات منكسرة من حدة الغبن والوجع ، ينامون بتنهيدة غائرة مجهولة ويصحون بتقطيبة حائرة.. لكن لا تيأس يا رفيق الثورة ، الفجر الذي تكلم عنه البردوني قادم لا محالة ، ثقوا أن كلما يحدث سيتمخض عنه ثورة أعظم خصوصا وقد سقطت اخطر القوى التاريخية التي استغلت هذا الشعب الأصيل ، بشرط : إن هيئنا الأسباب للترابط والالتحام ومراجعة الدروس بإمعان التأثيرات، و العوامل وقاربنا لتمخضات وطنية جامعة تنبذ الشتات والفرقة وتوحد الوطن وأبناءه، وبدون مشروع وطني وطني يمني يمني ستؤول حياتنا والوطن لكارثة مؤسفة لا قدر الله ، لأن المؤامرة أصبحت أكبر بكثير بعد أن تم إلحاقنا بمشهد عالمي يشكل لنفسه وجودا جديدا وفق معادلاته وأمزجته هو وعملائه هم أنفسهم الذين تكلمنا عنهم هنا .

قد يعجبك ايضا