*قصور طينية فاخرة بألوان ونقوش زاهية
كتب/ عبدالباسط محمد
في وادي دوعن بحضرموت تختبئ أسرار كثيرة لمفاتن الطبيعة ومقومات الجمال التي لا يمكنك أن تجد لها مثيلاً في أي مكان سوى في هذا الوادي على امتداده الواسع والطويل جدا, فمن خلال الطريق الإسفلتي الذي يمر من وسطه وتمر معه الساعات بلا حسبان أو تعب ، فهناك على الجنبات ما يسرق الانتباه ويثير الإعجاب ويبعث على الانبساط والمتعة حتى أن المسافر العاشق للسياحة والجمال يتمنى أن لا تنتهي هذه الطريق في هذا الوادي بل تستمر وتطول دون انقضاء .
إذا أردنا الحديث عن هذه المفاتن أو إبرازها فهو مجال خصب سيطول شرحه وربما قد تحتاج منا إلى حلقات متسلسلة, ولعل كل مدينة أو قرية في هذا الوادي وربما معالم تحتاج منا إلى موضوعات مستقلة ولعل أبرز وأهم المدن التاريخية في هذا الوادي والتي تبعد عن سيئون (110) كيلومترات هي تلك المدينة الواقعة على سفح إحدى المرتفعات المحصنة تماما ، إنها الهجريين واحدة من أشهر المدن اليمنية قديما وأبرزها تاريخيا في العصر الحديث ، ومن مدن الوادي البارزة أيضا ( ريبون – القزة – الجرات – قيدون – العرسمة …الخ ) وهي المدن المترامية على جنبات الوادي والتي مررنا بها أثناء رحلتنا إبان تريم عاصمة الثقافة الإسلامية ، وفي رحلتين سبقتها أيضا ، وقمنا بتدوين مدن وقرى الوادي حتى لا ننساها ومثل هذه المناطق وجمالها لا ينسى .
وهنا نوجز الحديث وبشكل مختصر جدا عن واحد من أجمل القصور كمثال حي على ثراء هذا الوادي بقصوره ومبانيه الطينية الجميلة ، فهذا القصر الذي وجدناه يتوج منطقة ( خيلة بقشان) وأي تاج ، تاج لا يوجد أبدا ما يضاهيه جمالا ورونقا ونقوشا وألوانا ، في رحلتي السابقتين مكثت لدقائق أتأمل في هذا القصر البديع وأتلهف لزيارته ،ففي الرحلة الأولى لم أتمكن لضيق الوقت وفي الرحلة الثانية حاولت ووصلت إلى أن لامست إحدى بواباته ، ولكن كان الباب موصدا لم يفلح الانتظار بتحقيق الأمنية إلى أن جاءت الرحلة الثالثة والتي كنا فيها على موعد مع هذا القصر من الداخل وفي رحابه لبضع ساعات ، حيث تناولنا فيه طعام الغداء وكان من أفضل ما أكلت .ليس لمذاق الأكل ولذته ولكن لأنه بين جدران مزخرفة بالجمال والألوان المتناسقة والمزخرفة بطريقة بديعة للغاية ، قصر يعتبر اية من آيات البناء الطيني البديع الذي لا يوجد إلا في وادي حضرموت بشكل عام ويتكون هذا القصر من طوابق سبعة تقريبا بما فيها تلك الغرف العلوية ( المفارج) أو ( الطيرمانات) وهو ملون بألوان زاهية من الخارج لا تقل جمالا عن تلك الزخارف والنقوش الملونة داخل القصر خاصة عند النوافذ وبين الطوابق وفي الأدوار العليا .
القصر تتجلى فيه عظمة الفن المعماري الطيني الذي تتميز به اليمن عموما وحضرموت على وجه الخصوص وهي المحافظة التي تتميز ببناء هذا النوع من القصور الضخمة ، وكان هذا القصر الجميل بكل خصائصه وتفاصيله الداخلية والخارجية قد استخدم دورين منه كما حدثنا البعض فندقا سياحيا ويحوي أيضا جناحا ومعرضا للتراث الحضرمي ، كما أن ملحق القصر أيضا خصص كمتحف احتوى على نماذج من الموروث الشعبي الحضرمي .
أعجوبة الوادي
وفي منطقة ليست ببعيدة عن الخيلة توجد أعجوبة فريدة من عجائب وادي دوعن أنها قرية حيد الجزيل المبنية منازلها الشاهقة من الطين وفوق صخرة شاهقة الارتفاع لا يمكن الولوج إليها إلا عبر طريق واحد وعن هذه القرية قال احد الشعراء :
مكانك زين بالهاجس وباتكلف عليه
سمر باشوف جمك والقليل
وأنا مجنون عا وادي عمر والمشرقية
وعا عربان في حيد الجزيل
لهم عادات يتمارون في بحر الهوية
يقسمون المروة فيها والجميل
وهذه القرية الجميلة والأعجوبة تقع على يسارك وأنت تهم بالنزول إلى وادي دوعن الجميل بقصوره ومعماره الطيني البديع عليك أن تدخل قليلا إلى اليسار عبر الطريق الإسفلتي لزيارة هذه القرية الجميلة التي يكون جمالها ظاهرا للعيان من على سفح الوادي وتحديدا من شرفات ذلك المنتجع السياحي احد ابرز المشاريع في وادي دوعن والذي يحمل اسم هذه القرية ومنها يطل عليها على ارتفاع يصل إلى 185 قدما منظر بديع ومشهد لا يمكن أن يتكرر ، صخرة ضخمة وشاهقة برزت لتحتضن كنزا سيظل مفخرة لكل اليمنيين إذا ما تم الحفاظ عليه ، فما يؤسف له أن الإخبار تتوارد عن هجران أهالي تلك القرية لمنازلهم والانتقال إلى منازل أخرى خارج القرية ، ومن أشهر سكان تلك القرية أسرة من آل العمودي وال باعبود وال محمد بن سعيد باموسى وآخرين ، بيد أن الناس الذين تحدثنا إليهم هناك اختلفوا حول الأسر التي لا زالت تسكن هذه القرية فمنهم من يقول لا زالت أسرتان تسكنانها وآخر قال اسر عديدة لا زالت تسكنها وثالث قال لم يعد يسكنها إلا شخص واحد من أسرة باموسى ، وهذا الأمر يؤسف له لان هذه القرية الفريدة قد نخسرها إذا ما تم هجرانها وقد تتحول إلى إطلال نبكي عليها لان المنازل القديمة إذا هجرت تنتهي وهذا ما نخشاه على قرية حيد الجزيل.