التسابق العثماني البريطاني على احتلال اليمن
قدرية الجفري
أدى احتلال الانجليز لمدينة عدن إلى عودة الأتراك إلى اليمن مرة أخرى فاحتلوا تهامة في عام 1849م ثم صنعاء في عام 1872م, واستمروا في شمال اليمن حتى عام 1918م, حيث اجبروا على الانسحاب إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى, واستقل شمال اليمن من التبعية العثمانية تحت حكم الإمام يحيى بن حميد الدين ليبدأ الصراع بين الإمام والانجليز وهو صراح لم يتوقف حتى خروج الانجليز من عدن عام 1967م.
فقد قام الانجليز باختلال مدينة الحديدة بعد الحرب العالمية الأولى كما ضربت الطائرات البريطانية بعض المدن التهامية واستمرت المناوشات بين الطرفين حتى عام 1934م، حيث تم توقيع معاهدة بين الطرفين نصت إحدى موادها على أن يسود السلم والصداقة بينهما, إلا أن هذا السلم لم يدم طويلاً، فقد استمرت الاعتداءات البريطانية على المناطق اليمنية كمنطقة الشيخ سعيد في باب المندب عام 1949م, ومنطقة شبوة التي تم احتلالها من قبلهم في نفس العام.
وفي عام 1951م عقد مؤتمر لندن لتسوية وضع الحدود بين الطرفين والذي أسفر عن اتفاق يتم بموجبه إقامة تمثيل دبلوماسي وتعاون اقتصادي وتسوية المنازعات بينهما وبالرغم من ذلك عاودت بريطانيا اعتداءاتها على شمال اليمن بالطائرات في الأعوام 1954ـ 1956ـ 1957م ووقعت اشتباكات على الحدود كما استمرت المنازعات على مناطق بيحان والعوالق العليا.
لقد كان نمط الحكم في عهد الدولة المتوكلية يعتمد على الإمام وحده فهو المهيمن على مقدرات شؤون الحكم ولا يسمح البت في أي موضوع إلا بالرجوع إليه وكان الإمام يحيى قد أبقى الأوضاع الإدارية القديمة التي ورثها من عهد الأتراك على ما هي عليه دون تغيير كما كان يعتمد على فئة محدودة من الهاشميين أو من بعض الأسر القحطانية ذات الثقافة الدينية والذين كان يطلق عليهم اسم القضاة .كما كان يعتمد على فئة المشائخ والتي كانت تستغل الوظائف العسكرية .
وقد كان من نتيجة الحرب اليمنية السعودية إدراك الأمام مدى ضعف جيشه وعدم مقدرته على الدخول في حرب , فقرر إرسال بعثة عسكرية يمنية للدراسة في الخارج إلى العراق في عام 1936م والثانية بعدها بعام أيضاً إلى العراق وكان من المقرر أن تدرس الطب ولكن عدم امتلاك الطلاب لمؤهلات دراسية مناسبة جعل مسار البعثة يتحول ,فانتظم بعض أفرادها في التدريب العسكري والبعض الآخر في التعليم التربوي .
ففي عهد الامام أحمد تم تطوير الجيش بافتتاح الكلية الحربية وكلية الشرطة ثم افتتاح كلية الطيران التي تم افتتاحها على يد ولي العهد البدر .
وبالرغم من العزلة التي كانت تعيشها الحكومة المتوكلية إلا أنها عقدت العديد من المعاهدات مع الدول العربية والأجنبية وكان اغلبها معاهدات صداقة مثل المعاهدة العراقية وبعضها معاهدات تجارية وصداقة مثل المعاهدة الايطالية وكذلك الاتفاقية مع الاتحاد السوفيتي , وكلها اعترفت بسيادته على بلاده واستقلالها وقد تراوحت مدة هذه المعاهدات بين خمس سنوات وعشر سنوات .
إلا أن معاهدتي الطائف مع المملكة العربية السعودية والانجليزية اليمنية مختلفتان عن بقية المعاهدات ,حيث انهما كانتا معاهدتي سلام , وذلك بعد دخول اليمن في حرب مع كلا الطرفين حيث تمثلت المعاهدة مع بريطانيا في فبراير عام 1934م وكانت مدة سريانها أربعين عاماً مع إبقاء موضوع الحدود على ما هو عليه ويمتنع الجانبان عن أي عمل عسكري في الحدود ضد الجانب الآخر .
وكذلك مثلت معاهدة الطائف مع المملكة العربية السعودية التي دخلت مع اليمن في حرب عام 1934م وفيها توسعت المملكة على حساب اليمن واقتطعت عسير وجيزان وكان هدف المعاهدة إنهاء حالة الحرب بين الطرفين ومدة سريانها عشرون عاماً.
وقد كانت الحرب ثم المعاهدة مع السعودية من أسباب تشكيل حركة المعارضة المستنيرة , فقد تكشف ضعف حكومة الإمام يحيى الذي أرغم على التنازل عن أي حق يدعيه !!
وكان الوضع الاقتصادي حينها شديداً، الفقر والبدائية الركود ولم تقم أي منشأة صناعية في اليمن خلال تلك الفترة واعتمد الاقتصاد فقط على الزراعة إلا أن السلطة لم تولها الاهتمام الكامل رغم أن أرض اليمن صالحة للزراعة ولأكثر من نوع حيث افتقرت البلاد إلى السياسة التجارية مع العالم الخارجي وذلك بسبب افتقارها إلى نظام نقدي ومؤسسات مالية .