متطرف مستحي !
ضرار الطيب
يسمي نفسه حيادياً ، لا تعجبه الحرب والأسلحة وشعارات الموت ، ينادي للعلم ، وللتأمل ، وللحب ، وللموسيقى ، لا تنقصه سوى البلهارسيا لتطلق عليه “العندليب” ، هذا ليس جلال الدين الرومي ، وليس بوذا .. لأنه في الحقيقة ليس حيادياً ولا متأملاً ولا علاقة له بالسلام ولا بالموسيقى. هو عبارة عن متفذلك يجيد رصّ الألفاظ في وسائل الإعلام وصفحات الفيسبوك .
كل ليلة يطلق حملة إنسانية ضد الحوثي ، ثم يهبط عليه النوم فجأة عندما يتذكر السعودية وجرائمها.
يكتب خمسين ألف مادة عن تعز وما تتعرض له باعتبار أن كل خدش في جدران بناياتها كان بسبب الجيش واللجان الشعبية ، ولكن ينتهي مداد قلمه فجأة ، وتنتهي بطارية اللابتوب ويتعطل هاتفه ويصاب بشلل في أصابعه فور تذكره بأن صعدة وحجة قد صارتا كومتين من الأحجار بسبب القصف السعودي .
يسمع القنابل العنقودية تنفجر بجوار منزله في صنعاء ، ويستيقظ ليكتب عن المظهر غير الحضاري لمن يحملون البنادق في الطرقات .
ينتفخ صدره ويحمر وجهه وهو يطالب الجيش واللجان بالانسحاب من تعز ويقول لك أنه متمسك بموقفه الحيادي ضد أطراف الحرب، ولكنه يفقد الذاكرة ويدخل في غيبوبة عندما تحدثه عن “المقاومة” وأسلحتها وتمركزها في قلب كل حارة داخل مدينة تعز .
يقول أن الحوثيين لا يتقبلون الانتقاد ، بينما لا مشكلة لديه مع من لا يجرؤ أصلاً على انتقادهم ، أولئك الذين قد يسلخونه هو وأهله وأقاربه بسبب لقبه ، لا يقدر على كتابة نبرة واحدة ضدهم .
نصّب نفسه قاضياً على الجميع ، وياليته يعدل في رفضه المتعجرف لكل الأطراف ، بل يجامل ويسكت ويبرر بخبث . يصبّ المشاعر الإنسانية بلا حساب على الطرف الذي يعجبه ، ويوجه سياسته المراوغة ضد الطرف الذي لا يروق له . وفي النهاية ينظر في الأفق بعيداً وهو يقول لك بكل تبجح بأنه لا يصنّف الناس ولا يبني مواقفه السياسية والإنسانية إلا على نظرته الشاملة الحيادية للوطن والمواطنين .
لا أتحدث عن شخص بعينه ، ولكن هكذا هم كل المزايدين الذين يبرزون باسم الحياد والمنطق واللاإنتماء .
عرفناهم في كل الأزمات السياسية والإنسانية التي مررنا بها من قبل ولم يكونوا سوى ما هم عليه في الأصل ، منافقين .