القضية المائية التحدي الأبرز.. أمام الإدارة والإرادة المجتمعية

محمد العريقي –
الحديث عن مشكلة المياه في اليمن وبالذات على مستوى الأحواض التي ظهرت ملامح الازمة فيها ليس بجديد فقد دق ناقوس الخطر منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي من قبل الخبراء الأجانب وقدموا دراسات علمية ورياضية وفيزيائية .. إلخ توكد أن هناك أحواضاٍ في طريقها إلى النضوب وخاصة أحواض صنعاء وتعز وصعدة إذا ما استمر الاستنزاف بالطريقة العشوائية والمفرطة.
في ذلك الوقت كان كل ما يقال ويطرح من نصائح ,لا يلتفت إليها أبداٍ, وكنا نسمع ونقرأ أن كبار المسؤولين يفتتحون مشاريع مياه في تلك الأحواض ونشاهد المسؤولين بجانبه مئات الاشخاص يصفقون أمام عدسة التلفزيون والمياه تندفع من عمق البئر إلى الأرض الترابية دون مبالاة .
والآن نسمع الجميع يتحدث أن هناك انهياراٍ شديداٍ في معظم الأحواض المائية بعد استنزاف تلك المياه التي تجمعت منذ مئات آلاف السنين دون تعويض متوازن ,وأصبح الجميع مدركاٍ لخطورة هذا الوضع ولكن السؤال: ماذا أعددنا لمواجهة هذا الخطر¿
والمهم هو: هل نقبل أن تسير القضية المائية نحو التدهور ونمضي معها نحو الانتحار ¿ أم أننا قادرون على مواجهة التحدي وعلى أن نجعل من ملامح الأزمة المائية الحالية باعث قلق إيجابي يدفعنا نحو ابتكار الحلول والمعالجات بكل الوسائل والطرق الممكنة ونجعل من المشكلة حافزا للإنجازات العظيمة والعملاقة في هذا المجال ونستبدل مظاهر الأزمة الحالية بمشاهد عبقرية إنجاز الوفرة المائية التي تحقق الرخاء والتنمية والاكتفاء الذاتي من الغذاء¿
والإجابة على مثل هذه التساؤلات يستطيع أن يترجمها الإنسان قولاٍ وفعلاٍ فهو الذي يقرر, فبإمكانه أن يتخذ قرار الانتحار بترك المشكلة المائية تسير باتجاه التدهور الكارثي وهو أيضاٍ يستطيع التدخل لفرملة هذا الوضع والعمل على توفير احتياجاته من المياه ليحيا آمناٍ مستقراٍ بانياٍ للتقدم والتطور حاضراٍ ومستقبلاٍ.
فعندما نقول إن أزمة المياه في اليمن بل والعالم ككل تضع الانسان أمام تحد صعب لذا فعليه ان يبرهن أنه قادر على أن يصارع من أجل الحياة صراعاٍ ينبغي أن يخوضه لتوفير وتأمين احتياجاته من المياه لكي يعيش بأمان ولنقل المشهد المائي من الشحة إلى الوفرة. وهذا الصراع لايحتاج إلى الجيوش أو معدات عسكرية فحتى وإن كان هناك من يتوقع أن العالم سيشهد حروباٍ طاحنة على مصادر المياه في ظل ارتفاع الطلب على المياه وزيادة السكان وأن الدول ستستخدم أسلحة فتاكة وجيوشاٍ زاحفة للسيطرة على المصادر المائية فحتى هذه النظرية هناك من يقلل من أهميتها فالإنسان لا يمكن أن يؤمن ما يحتاجه من المياه بالقوة ويترك غيرة دون مياه لأن هذا يعني انه سيفتح لنفسه أبواب الصراع الذي ينتهي بانتهاء أحد الطرفين فليس هناك أي حلول وسط لشخص يسيطر على المياه وآخر يقبل أن يموت عطشاٍ دون أن يعمل شيئا حتى آخر رمق من حياته مهما كان ضعيفاٍ , ناهيك عن أن تكلفة الحلول الممكنة تظل أقل بكثير من تكلفة مثل هذه الحروب.
فمشكلة المياه لا تحل إلا بالعقل والتدبير الرشيد والجهد والمثابرة بالعلم بالتمسك بالقيم الأخلاقية بالتجرد عن الأنانية وحب الذات بالسلوك العقلاني وهذه الأمور كلها يمكن للإنسان تمثلها وتجسيدها قولاٍ وعملاٍ من خلال ما يعرف بالإدارة المائية الرشيدة.
فالإنسان يمتلك قدرات وإمكانيات وهبه إياها الله سبحانه وتعالى الذي اصطفاه عن سائر المخلوقات فميزه بعقل يفكر ويدبر به. وامتحنه بالقدرة على الاختيار بين النافع والضار فكلما انحرف باتجاه السلوك المضر جلب لنفسه ولغيره العواقب الوخيمة.
وهذا الاختيار مسؤول عنه الإنسان في قضية المياه فعندما يقدم على استهلاك المياه دون وعي أو ترشيد أو تدخل لتحسين وتطوير موارد جديدة فإنه يكون مسؤولاٍ عن تصرفاته العشوائية وتقاعسه وإهماله وبالتالي ارتضى مثل هذا الانسان أن تكون نهايته كالمخلوقات التي ليس لها إحساس وإدراك لمواجهة مثل هذه المشكلة.
وفي الوقت نفسه يستطيع نفس هذا الانسان أن يتغلب على كل مشاكله ومنها أزمة المياه بحسن تدبيره واستخدام عقله وإمكانياته المتاحة للتغلب على المشكلة والله سبحانه ميزه على كل الكائنات وسخر له من الأنعام والموارد لكي يعيش ويعمر الأرض.. باستخدام عقله واستغلال جهده.
وهذه الرؤية يتفق عليها جميع أبناء البشر.. ويقول كرستين فيكل- رئيس المعهد الدولي للبيئة والتنمية في مقالة نشرتها مجلة العالم البيئية التي تصدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة المكتب الإقليمي لغرب آسيا أواخر عام 2000 م (منذ بداية التاريخ المكتوب وضع الناس انفسهم فوق الكائنات الحية الأخرى فنحن نستطيع التأقلم في الأدغال والصحراء والقمم الجليدية. لقد غيرنا معالم الأرض لتناسب حاجتنا وتعاملنا مع أخطر الأمراض ورفعنا متوسط العمر المتوقع وغيرنا الموروثات الجينية للنباتات والحيوانات الأخرى لتلبية متطلبات غذائنا ونحن لا نواجه أي تحد خطير من أي فصيلة حيوانية أخرى. باختصار لقد تمتعنا بصفتنا جنساٍ مفترساٍ متفوقاٍ بفرص الرخاء السانحة لجنس سريع الانتشار).
وإذا كان نقص المياه اليوم هو الأكبر والأخطر في الأولويات والتحديات التي يواجهها الإنسان فإنه مطالب بما يمتلكه من عقل وقدرات بالشروع بشكل جدي في التدبير لمواجهة المشكلة بكل الأساليب والإمكانيات بالسلوك والسياسات بالفعل والقول.
إننا نحتاج للماء أكثر من أي وقت مضى مقارنة مع الماضي بدليل أن الاصوات بدأت ترتفع وتتصاعد مؤشرة إلى مظاهر ملموسة لشح المياه وندرتها. وتنطلق هذه الصيحات لتذكر بأن الماء هو أساس الحياة فحاجة الإنسان للغذاء متوقفة على الماء. فالزراعة وهي مصدر الغذاء لا تقوم إلا على الماء وتحتاج الحيوانات للماء مثل احتياج الإنسان تماماٍ. فبوجود الماء تستمر الحياة وتستقر الأمم وتأمن من الخوف والجوع والعطش وبدونه يكون الدمار والخراب والهلاك.

قد يعجبك ايضا