لحظة يا زمن … الاتصال واللا تواصل
..هذا الحضور الغائب ينقله الهاتف الجيبي اليوم إلى الشارع حيث أصبح المار إلى جنبك يمر عليك دون أن يحييك أو يتحدث إليك لأنه غارق في عالمه , أو على الأصح في العالم الجديد . أي في ما يدعوه أحد الدارسين « التليعالم».
فليس قريبك اليوم هو القريب منك , ليس هو جارك وابن حيكú ,قريبك اليوم هو البعيد فالإنسان المعاصر لا يسعى إلى الاقتراب من البعيد إلا ابتعادا عن القريب .
إنه لا يدنو من الغائب إلا فرارا من الحاضر ولا يتواصل مع البعيد إلا هروبا من القريب . إنه لا يتصل إلا لكي لا يتواصل .
وسيلة النقل في هذا «التليعالم» هي الهاتف المتنقل , أو كما يسميه البعض عن حق «الهاتف النقال « , لا لأننا ننقله عنا , بل هو الذي ينقلنا في هذا الفضاء الجديد حيث غدت السرعة زمنا أكثر منها مسافة , وحيث تقلص المكان ليغدو نقطا تحسب بالزمان .
لكن ان نحن اقتربنا من شكل الاقتراب ونوع القرابة التي بإمكان الهاتف أن يخلقها بين الناس , فهمنا إي نوع من التواصل يعيش عليه الإنسان المعاصر , فهذا الإنسان إذ يحاول أن يعيش في العالم وأن يقترب من الجميع لا يقترب من أحد .
وهو إذ يحاول أن يحضر في كل مكان يغيب عن جميع الأمكنة , بل إن هروبه مما يقرب منه هو في حقيقة الأمر هروب من ذاته.
وهو إن كان يسعى دوما للاتصال بالآخرين , فلأنه لم يعد يتواصل معهم قريبين كانوا أم بعيدين عنه .
من كتاب»ميثولوجيا الواقع
عبدالسلام بنعبد العالي