لا يزال مرفوعا!
غبت عن أهلي يوما واتصلت أطمئن عليهم مرارا وفي إحدى المرات رد علي طفلي ضياء سألته: كيف الحال عندكم اليوم يا ضيائي¿!.. فصمت ولم يجب علي!. لكنه بعد ساعة فعل حين فوجئت به يبعث إلي من هاتف والدته بإجابة صادمة لا تعتمد الكلام بل لغة الألوان!.
بعد تأمل لوحاته التي رسمها على عجالة بخطوط مرتعشة وألوان خشبية باهتة إنما بدت صادقة في التعبير عن الحال بعيدا عن الخيال وما لم يكن يخطر له على بال اتصلت وطلبت بإلحاح مكالمته اخبرته: يعني يا ضيائي طائرات العدوان خلاص دمرت اليمن¿!.
حينها قرر “ضياء” الإجابة برد مقتضب طفولي عفوي يصرح بعزة هي كل ما نملك والعزاء ولا يخفي أنفة تعانق قمم الجبال وكان لها في صدري وقع رذاذ سحبها الباردة.. قال طفلي يواسيني بصوت عال: لكن علم اليمن عاده مرفوع في كل مكان يا بابا !!.
يشعر “ضياء” الذي يشتاق لفصله وأصدقائه في الصف الرابع بالحنق والسخط وهو يسمع هدير تحليق الطائرات ودوي قصفها المنازل والمصانع والمستشفيات والمدارس أيضا !!.. يمتاز غضبا وهو يشاهد أقرانه على الشاشات يقتلون وينتشلون من تحت أنقاض منازلهم!!.
لكن “ضياء” ومثل كثير من الأطفال في عمره هذه الأجيال التي تعيش دوامة هذه الأزمة وغمة هذه المحنة لا ينفك يتساءل بحيرة: لماذا¿!.. وحين لا يفهم اجاباتي ووالدته أو يفهمها ولا يجد مبررا مقنعا لدول تحالف العدوان يرد بحنق: ولماذا لا نرد عليهم¿!.
لا يظهر”ضياء” هلعا ربما لأنه نشأ على أجوائه وألف أصوات ومظاهر نيران المدافع وانقطاع الكهرباء والماء والغاز والبنزين والديزل وقطع الطرقات ومشاهد الدماء والأشلاء التي عاشها يوما بيوم وسنة بسنة منذ بدء تشكل وعيه على تداعيات اندلاع أزمة 2011م ولا يزال!!.
صار ضياء – رغما عنه – متعايشا كغيره مع القلق وتلك الأجواء والمشاهد وقبلها ما كان يشاهده في فلسطين المحتلة التي غدا يتذكرها مرددا: كان الصهاينة يقتلوا بطياراتهم الفلسطينيين واليوم السعوديين يقتلونا بطياراتهم!!.. ما فعلنا بهم مش احنا اسرائيليين ولا اعتدينا عليهم فليش يعتدوا علينا¿!!.