الدول العربية تضيق بأهلها
ليس صöغر المساحة هو ما يجعل الدول العربية تضيق بأبنائها ولا افتقارها للثروات والموارد لإطعامهم أو السلاح لحماية حدودها من غزوات الجيران أو إغاراتهم. إنه الافتقار إلى العدالة على أرضها والحلول الأمنية التي درجت حكومات هذه الدول على اتباعها لمواجهة مطالبة أبنائها بحقوقهم في قمح بلادهم ومائها وحتى في هوائها. ضيق فوق ضيق دفعهم للبحث عن أقرب ثغرة للخروج من بلدانهم ليصبحوا فرائس لكل الذئاب في الوطن أو في المهجر وتصبح لغتهم الجميلة في الدول التي درجوا أن يقصدوها للحماية سيفا يستخدمه إعلامها لترهيبهم وجعلهم يرتدون عن مقصدهم من منتصف الطريق.
هكذا قرر إعلام دولة الدنمارك العمل. وها هو «حزب الشعب الدنماركي» اليميني المتطرف يتقدم إلى البرلمان بمشروع قرار لبدء حملة ترهيب عبر الإعلام لمنع المهاجرين من التفكير بالاقتراب من حدودها بغية طلب اللجوء إليها على غرار الحملة التي أطلقتها الحكومة الأسترالية العام الماضي والتي بعثت برسالة إلى كل من يفكر بالوصول إليها وإلى كل من هو في طريقه أو من وصل وتخفى أو من يقارع أمواج المحيط على دفة توصله أو لا توصله رسالة بلغات عدة تقول: «No Way لا مجال.. لن يتم توطينك». وبهذه الطريقة يجد الإنسان نفسه قد وقع بين فكين لا يستطيع الفكاك منهما فك الموت والفقر والقمع في بلاده وفك قوانين سترحله حين وصوله إلى أرض دفع كل ما يملك من مال لتجار البشر كي يصلها.
تنظر هذه الدول بعين المراقب إلى الدول التي تجتاحها الحروب والقلاقل وتعرف أن الهجرة هي أول ما سيترتب على استمرار هذه المصائب لأن مآسي اللجوء كبرت حتى أصبحت مأساة اللاجئين الفلسطينيين المزمنة لا تقارن أمام موجات الهجرة الجديدة. لم يكن يتخيل أحد أن السوريين مثلا سيتحولون يوما ما إلى شعب يتوزع نصفه بين لاجئ ونازح. وهذا يحدث في وقت لم تشف الدول الغربية بعد من موجات هجرة أبناء الشعب العراقي التي بدأت منذ وصول صدام حسين إلى الحكم العام 1979 وشروعه بالحرب مع إيران ثم حروبه الداخلية على الأكراد وغيرهم وصولا إلى الغزو الأمريكي العام 2003م وتبعاته التي بقيت قائمة حتى ظهور «داعش».
ولعل الحرب في اليمن وما نتج عنها من هجرة من البلاد أو ما يمكن أن ينتج مستقبلا هي تهديد آخر يؤخذ في حسبان تلك الدول. لكن الأخطر يتمثل بإمكانية خروج كتلة كبيرة من المصريين إلى الدول المجاورة والدول الأوروبية بسبب الحرب التي يشنها النظام المصري على معارضيه بعد الانقلاب الذي قام به العسكر على الرئيس محمد مرسي وعلى الثورة معا والحرب التي يشنها في سيناء وتجريف القرى والأراضي والحقول الواقعة على الحدود مع قطاع غزة وإمكانية تطور هذه الممارسات إن استمرت واستفحلت إلى حرب أهلية يمكن لها أن تجعل مصر تضيق بأبنائها فيخرجون في موجات هجرة بدورهم ويتغير دور أصحاب الزوارق المصريين التي تحمل اللاجئين من سواحل البلاد الشمالية إلى نقل أبناء جلدتهم هذه المرة.
وبين حق هذه الدول بالعمل وفق آليات تمنع تدفق اللاجئين إليها وبين عدم التزامها إن فعلت ذلك بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين وخاصة اتفاقية العام 1951 التي وقعت عليها يضيع المواطن العربي ويتشتت بين خطر البقاء في بلاده وبين اللجوء إلى بلدان آخرين لا يرحبون به. ويبقى أن من يلعن هذه الدول هو كمن يلعن الظلام فلن يستفيد شيئا إن لم يشعل شمعة أو يقاوم أنظمة الظلم في بلاده.
?جريدة السفير