دولة الإمارات .. والعدوان
تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة موضوع عدن واحتلالها خلال ما سلف من أيام, ويبدو أننا بدأنا نشهد أطماعا للعدوان لم تكن بادية عليه في سالف أيامه, ويبدو أن بنك الأهداف لم يكن إلا غطاء لحركة التوسع والأطماع التي تنشدها أمريكا وبريطانيا عن طريق أذرعها في المنطقة, ويقال إن حراكا دبلوماسيا نشط في الآونة الأخيرة قادته المملكة وهدف إلى حث الدول الكبرى في دخول منظومة العدوان على اليمن وكان من نتائج ذلك الحراك دخول أمريكا بشكل مباشر في عملية السهم الذهبي الهادفة إلى احتلال عدن تحت راية دولة الإمارات, وسمعنا تصريحا لمسؤول بريطاني يقول فيه أن حكومته تأخرت كثيرا عن المشاركة في العدوان على اليمن وهو الأمر الذي يبعث القلق وسبق لنا التحذير منه في مقال لنا منشور تحت عنوان ((هل تصبح اليمن كالعصف المأكول)) وهو متاح للقارئ على شبكة الانترنت وكان نشره قبل عام ونصف تقريبا, فاليمن ليست بلدا طارئا كما أنها في موقع استراتيجي تتقاطع فيه مصالح المنطقة والعالم, ولذلك فالمصالح المتقاطعة قد رسمت سيناريو الاحتلال والهيمنة السياسية وبدأ التنفيذ فالإمارات العربية ومن خلفها بريطانيا وأمريكا واسرائيل ستكون مهمتها احتلال عدن والمحافظات الجنوبية إلى حدود ما قبل 90م في حالة من التداخل مع شرعية الحكومة المستقيلة وأدوات المملكة في الشمال ستبدأ بالزحف على صنعاء من عدة جبهات ثم تبدأ التسوية السياسية وفق شروط المصالح المتقاطعة والمتداخلة, وفي الحالين أي حال الانفراج والتشابك في القضية الوطنية الشمالية والجنوبية والشرعية وغير الشرعية تحضر الأجندات المتعددة الاقليمية والدولية وتضيع القضية الوطنية أو تدخل في مرحلة التيه الذي يعاقب به الله عبادة المارقين عن سراطه المستقيم وتستمر حركة التنازعات وتعم حالة الفوضى وحالة اللااستقرار في عموم الجغرافيا الوطنية.
لقد قلت مرارا كثيرة إن الإعلان الدستوري كان خطأ فادحا لأنه أطال أمد الفراغ ولم يملأه وها نحن أمام ذلك الفراغ وبسببه نتعرض لحركة تدمير وإبادة شاملة فالقانون الدولي منحاز إلى طرف الجلاد بسبب الأخطاء القانونية والاجرائية التي أغفلنا التعامل معها بمسؤولية وطنية وأخلافية كبيرة فالصمت العالمي تجاه حركة التدمير والقتل والإبادة مبرر بطلب من حكومة نراها نحن في اليمن غير شرعية ويراها هو أنها شرعية لسببين السبب الأول أنها لم تستكمل إجراءات الاستقالة وفق الآليات المتعارف عليها والسبب الثاني الاعتراف الضمني بها من خلال الفراغ القائم الذي تركته في صنعاء وتدعي في ملئه في المنفى ويصاحبه منظومة دبلوماسية وإعلامية كبيرة فوق الخيال والباعث الأكبر لها الصراع الاقليمي والاعتراف العالمي بإيران كدولة نووية.
لقد تداعت الأمم على اليمن كما تداعت الأكلة على قصعتها ونالنا أذى كثيرا قتلا ودمارا وتشريدا في كل شيء وأخذنا الظن أننا قادرون على مواجهة الأمم والعالم من حولنا بالنمط التقليدي للحرب والمقاومة, ومثل ذلك خطأ كبير يضاف إلى خطأ الإعلان الدستوري ليزيد القضية ضياعا وتيها ويضاعف من حجم المأساة الوطنية والوقوع في شباكه لا يعني إلا ضياع الحكمة والاستسلام للحالات الوجدانية التي تفرق ولا تجمع وتدمر ولا تبني, ولذلك فالعودة إلى العقل باعتباره أداة تمثيل وتوحيد هو الملاذ الآمن لنا من حالة التيه التي تنتظرنا فالحرب في عالمنا المعاصر ليست كما كانت في العصور التقليدية بل قد تجاوزت مفاهيم القتل والموت والدمار لتكون أكثر تلاؤما مع العصر وميلا إلى التمدن, إذ لم يعد التوحش يمثل حالة إنسانية في الثقافة الحديثة وأصبح الاشتغال عليه- أي على التوحش- هدما لثقافات وطعنا فيها كما يحدث للمشروع الإسلامي اليوم من بنيه أنفسهم, وحربنا مع دول التحالف والعدوان ومن وراءهم لن تنتهي ولكنها بدأت واستمرارها لا يعني مطلقا أزيز الطائرات والكاسحات والبوارج البحرية والزحف البري والقنص والقتل والتدمير والسيطرة والتمكين ولكنها تعني الانتصار للمشروع والاشتغال عليه والتمكين له بالطرق المدنية الحديثة في المستويات المتعددة الثقافية والاجتماعية والسياسية فنحن في اليمن محاصرون بأسئلة حضارية ونهضوية كبيرة علينا أن نقف أمامها للإجابة عليها كما أجابت الكثير من الأمم عنها وخرجت من براكين صراعها إلى حدائق الرخاء.
وتصدر دويلة الإمارات لاحتلال عدن وتنفيذها للمشروع البريطاني والأمريكي والاسرائيلي يضعنا أمام أسئلة اقتصادية جوهرية, وانتصارنا يكمن في الاجابة على تلك الأسئلة وليس في حركة القتل والتدمير للآليات .. علينا أن نعي أننا نخوض معركة وجود حضارية.