جنون العظمة” سيودي بالسعودية الى التهلكة
ما يجري في السعودية وما تسعى إليه مملكة النفط يستدعي تقييمه من وجهة نظر شاملة تطل على مجريات الأحداث والمتغيرات الجيوسياسية التي تضرب المشرق العربي بلا تمييز. وإن كان المشهد السعودي-اليمني تصاعد بشكل ملفت بسبب العوامل التي قادت إلى هذا العدوان السعودي لا يجوز فصله عن التطورات في العراق وسوريا ولبنان الملفات مترابطة أكثر من أي وقت مضى بمعنى جبهة واحدة.
التغييرات في الداخل وعلى رأسها ترقية محمد بن نايف ومحمد بن سلمان وعادل الجبير جاءت بما يتناسب مع إعادة إنتاج للدور السعودي في المنطقة كي ينسجم كليا مع السياسة الأمريكية الجديدة والرؤية الجيوسياسية لإدارة اوباما لاسيما المتعلقة أساسا بإعادة تموضع الولايات المتحدة في المحيط الهندي الذي يتطلب السيطرة على “الأطراف” الاستراتيجية كارخبيل سقطرى اليمني الذي يشرف على ما يقارب نصف التجارة العالمية في الاتجاهات الأربعة: من والى شرق آسيا من والى مضيق هرمز عبر باب المندب في الاتجاهين ونحو رأس الرجاء الصالح. ارخبيل سقطرى بموقعه الحيوي تزداد أهميته في الاستراتيجية الأمريكية مع تصاعد الصراع حول بحر جنوب الصين ومشروع “عقد اللؤلؤ” الصيني الذي يربط الصين بالخليج الفارسي والبحر المتوسط عبر مضيق باب المندب. سبق للولايات المتحدة ان ناقشت إقامة قاعدة عسكرية على الارخبيل مع علي عبدالله صالح لكن السعودية تريد اليوم ان تلعب دور المانح عسى ان يقلص الكرم السعودي نقاط الخلاف ويخرب اي تقارب أمريكي – إيراني على أمل أن يستمر العداء الأمريكي-الإيراني إلى الأبد.
يضاف الى ذلك مملكة النفط تدرك ان خياراتها في اليمن وغير اليمن بدون الدعم الأمريكي محدودة وتنعدم كليا الخيارات إذا تجرأت على الخروج على القرار الأمريكي أو قررت التموضع خارج الاستراتيجية الأمريكية. الحرب على اليمن وتجييش العالم “السني” العربي وغير العربي (باكستان والسنغال وتركيا) بمثابة رسالة للأمريكي تقول “نحن معكم ويمكنكم الاعتماد علينا ونحن فقط القادرون على احتواء وتوجيه الجماعات الإرهابية في اليمن وسوريا والعراق ونحن فقط من موقعنا الديني والقومي والنفطي قادرون على تجييش المسلمين ضد مسلمين آخرين وتجييش العرب ضد غير العرب ولكن نريد في المقابل ضمانات”. ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال ان دول مجلس التعاون ستطلب من اوباما خلال الاجتماع المزمع في منتصف الشهر الجاري توقيع اتفاقية تلزم الولايات المتحدة التدخل العسكري في حال تعرضت لتهديدات إيرانية. فضلا عن قائمة بالأسلحة التي ستشتريها هذه الدول من الولايات المتحدة. اوباما الذي ورط السعودية لن يقدم على هكذا خطوة دول مجلس التعاون في الاستراتيجية الأمريكية ليس أكثر من دجاجة تبيض ذهبا.
فضلا عن ذلك اليمن بموقعه الاستراتيجي يشكل ممرا هاما للنفط الخليجي بعيدا عن مضيق هرمز. تنوي دول مجلس التعاون بناء خطوط إمداد ليتم الاستغناء التدريجي عن مضيق هرمز ومن أهم هذه الخطوط رأس تنورة – المكلا على بحر العرب عبر حضرموت. هذه الخطوط تقلص من أهمية مضيق هرمز وتحرم إيران من ورقة جيوسياسية استخدمتها على مدى عقود لحماية أمنها القومي. لا غرابة ان حدة الغارات تصاعدت مع اقتراب أنصار الله والجيش الوطني اليمني من مدينة المكلا معقل القاعدة كما أن أجهزة مخابرات كشفت عن وصول مقاتلين من داعش إلى السعودية لنقلهم إلى اليمن.
“جنون العظمة” الذي اجتاح كل شرائح المجتمع السعودي مثير للقلق وقد تفوقوا على الوحشية الإسرائيلية أضعافا مضاعفة. هذا الجنون يعميهم عن رؤية ان الولايات المتحدة المهووسة في “توازن القوة” لن تسمح لهم بلعب أي دور أكبر من حجمهم قد يصب في النهاية لصالح الحركة الوهابية التي انتجت الإرهاب. والاهم انها لن تسمح بإقامة تحالف على أساس قومي أو ديني يهدد مصالحها على المدى القصير والبعيد.
أقدم السعوديون على مجازفة كبيرة تراجعهم هزيمة وهروبهم إلى الامام هزيمة. واذا اندلعت حرب القبائل لن يبقى لمملكة النفط سوى تاريخها الإجرامي.
رضا حرب – المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية
* نقلا عن موقع قناة العالم