كلما اشتدت الأزمة.. تجلت الحكمة وخابت الاحتمالات

سقوط معسكر بيد الجماعات أو المليشيات المسلحة مواجهات دامية بين اللجان الشعبية “أنصار الله” وأنصار القاعدة أو جماعات حزب التجمع اليمني للإصلاح في الجوف أو رداع أو البيضاء أو إب أو الحديدة..
اشتباكات دموية في لحج بين اللجان الشعبية “أنصـار الرئيس هادي” وجماعات مسلحة من الحراك الجنوبي أو مجاميع مسلحة مجهولة تنتمي للقاعدة أو “أنصار الشريعة” اقتحام مشفى أو مؤسسة أو مصرف أو منزل أو جامعة أو السطو على “دينة” تحمل رواتب الموظفين في مؤسسة كذا وكذا..
 أحداث دموية وتفجيرات إرهابية واغتيالات بالدراجات النارية تشهدها عدن أو المكلا أو عمران أو صنعاء.. حصيلة تلك العناوين الحمراء ليست أزمة كلامية بل مئات القتلى والجرحى جميعهم يمنيون.
مفردات هذه الفوضى لا تتوقف يوما واحدا وإن توقفت أسبوعا طل علينا الإعلام بحصيلة كبيرة من الوفيات والإصابات جراء الحوادث المرورية ومع هذه النتائج المروعة التي جعلت العالم ينتظر انهيار اليمن كمجتمع في حروب أهلية تأكل الأخضر واليابس وليس انهيار اليمـن كدولة إذ لم يتبق منها سوى مبنى البنك المركزي- الباب الأول (الأجور والمرتبات) فقط..
هذه هي المعاناة الحقيقية التي يعيشها الشعب اليمني منذ اندلاع الربيع العربي 2011م ورغم تبعات كلما جرى ويجري من تداعيات دراماتيكية مؤسفة في مسار العملية السياسية اليمنية إلا أن اشتداد الأزمات والصراعات كشف عن صلابة الشعب اليمني الصابر والمتزن ما ميزه عن سائر دول الربيع كسوريا وليبيا والعراق التي دخلت في حروب ليس لنهايتها أفق..
 ولا نقصد بتميز اليمنيين في المناكفات والجدل والسياسي إذ إن الجميع يتحدث بالسياسة بل نقصد تميزه بالتسامح واحتمال المكاره والصبر على ال
شظف والحذر الشديد من الاقتراب من حدود المجهول..
هذا ما أعجز المتابع عن توصيف ما عاشه اليمنيون من فصول مأساوية وتضحيات وخيبات أمل كبرى خلال أربع سنوات وكذلك توصيف ما تحلى به الشعب العصامي من حكمة في أقسى المعاناة والظروف والصراعات التي تخيل العالم عندها أن اليمن دخل مربع الانهيار.. لكن الأمور تسير غير ذلك وكلما اشتدت الأزمة ازداد الشعب حكمة وسلك سبل الحلم والعفو والتسامح بل والتغاضي تجنبا للاحتكاكات على خطوط الخلافات والانقسامات التي وصلت إلى الأسرة الواحدة..
ومع استطالة وقت الخلافات والانقسامات صار الشعب لا يأبه لأحد ولا يتبع أو يصدق أحدا لتبقى قوى الفساد -التي ضللت جزءا كبيرا منه في ربيع 2011م- تتصارع لوحدها وتفر من مربع إلى آخر..
ذلك التغاضي لا يعني الاستسلام مطلقا فالشعب الذي يشكل صامتوه 60% من جماهيره الفاعلة وبلغ به الوجع حد الباب الأول كفيل بأن يكون شوكة الفصل والحسم في السلطة المتنازع عليها وقادرا أن يمنح السلطة لمن يستحقها حين تكون القوى السياسية قد بلغت ذروة الطغيان في صراعاتها على حساب الشعب المطحون..
معادلة كامنة تحت رماد الصبر لم تدركها فضائيات العالم ومحللوها حيث يؤكد الجميع- بثقة عالية – بدء العد التنازل لانهيار الدولة اليمنية وفشلها كنتيجة لتداعيات الجانب الأمني على النحو الذي أوردناه في مستهل هذه التناولة.. لكنهم لم يدركوا أن اليمن يعيش بلا دولة ولا مؤسسات أمنية ولا عسكرية منذ مطلع يونيو 2011م وما تبقى منهما وحافظ على خيوط السلام بعد ذلك الحادث الإجرامي فقد تمت هيكلته في دوامة العملية السياسية وبمباركة أممية كل مغازيها وبواطنها شكلت مصدر ثقة الدول الكبرى  بانهيار اليمن.. كما أنهم لم يدركوا أن الشعب اليمني مجتمع حضاري يختلف ويتحاور ويتصارع لكنه لا يتجاوز حدود اللاعودة.
فمن وسط هذا القيض من احتمالات الانهيار الذي يتخوفه العالم على اليمن منذ أربع سنوات عجاف تشع هذه الميزة من وسط ركام المواجهات والحبك الدراماتيكية المخيفة لركب العملية السياسة لتتحول إلى عامل منفس على المجتمع بل وداعيا من دواعي التفاؤل الراحة النفسية والسكينة التي يعيشها المجتمع اليمني وسط نيران الصراع السلطوي.

قد يعجبك ايضا