هموم القصة النسوية القصيرة بين آفاق الحلم وقسوة الواقع

عبدالله أحمد حسين



تحاول هذه الدراسة الاقتراب من أربعة نصوص قصصية لأربع قاصات شابات, وذلك من أجل التعرف على رؤية النصوص القصصية النسوية تجاه المجتمع والثقافة اللذين  تنتمي  إليهما, وطريقة تصوير هذه النصوص للواقع الاجتماعي, ودلالة ذلك التصوير وعلاقته بالواقع.
والنصوص الأربعة هي:
• قصة “سر المقبرة, لعفاف صلاح.
• قصة “غـربة بلا رجـوع” لندى أحمد الأشول.
• قصة “أحـــــلام مقيـدة” لمنى البدري.
• قصة “نظرات تائهة” لإيمان أحمد المزيجي.
إن المتأمل في النصوص الأربعة سيلاحظ أن هذه النصوص الأربعة تدور في فلك واحد, وأن هناك هموما وهواجس هيمنت على أجواء النصوص, ولا شك أن ذلك سيكون أكثر وضوحا وتكرارا إذا ما تناولنا نصوصا أكثر.
وتعد المرأة وقضاياها هي الموضوع الأبرز لدى الكاتبات, ولا غرابة في ذلك فالمرأة حين تكتب تنطلق من عوالمها وقضاياها, ففي قصة “سر المقبرة, لعفاف صلاح تناقش القاصة قضية أزلية من القضايا المتعلقة بالمرأة وهي قضية المرأة وعار الخطيئة, تدور أحداث القصة حول شاب تعرض لمكيدة امرأة مصابة بالإيدز أوقعته في براثنها وهو بغير وعيه مما جعله ينتقم منها بقتلها قتلة شنيعة, وكان يمارس انتقامه هذا مع كل امرأة يتمكن من استدراجها إلى المقبرة.
تقف القصة على مسألة الظلم المجتمعي للمرأة, حيث جاءت القصة لتدين نظرة وتفكير المجتمع بالنسبة للمرأة وقضاياها, وانحصار ذلك كله في نقطة ضيقة لا يتعداها, فبعد أن نجت إحدى الفتيات من قبضة ذلك الشاب بعد أن انهال عليها ضربا حتى أوشكت على الموت, تصل إلى بيت أهلها وهي في حالة يرثى لها, يقف والدها منها موقفا مريبا, لا يهمه سوى أمر عذريتها, وما سيقوله الناس عن ابنته التي تعرض لها ذلك الشاب, ولا يختلف موقف والدتها عن ذلك, وهذا ما نقله حوار الزوج مع زوجته الذي جاء على النحو الآتي:
“- اصمتي يا امرأة ولا تجعلينا متناولا لألسنة الناس!
جمد نظراته النارية في عينيها وقذف بالسؤال الذي ينهش ويعذب تفكيره:
هل ما زالت عذراء…. ¿ !!
صرخت صراخا مدويا فهي حتى لا تعرف الأم تضرب نفسها وتردد بحسرة وخزي:
يا ويلي …
خرج من الغرفة مدركا تماما أنها فقدت كل شيء تمنى لو أنها ماتت لماذا ظلت حية¿ خرجت الأم وهي ما بين التصديق والتكذيب:
• الفتاة مازالت عذراء!!
فتح الأب فاه مرتديا ملامح الرهبة:
• أمتأكدة أنتö مما تقولين¿
أغمضت الأم عينيها براحة تامة:
• نعم .. كل التأكد.”
هذا الموقف السلبي للأب والأم تجاه ابنتهم الضحية يكشف عن ثقافة مجتمعية متحيزة وقاصرة, فبدلا عن وقوفهما إلى جوار ابتهما ومساندتها في محنتها نجدهما يتجهان بفكرهما إلى تلك الزاوية الضيقة.
ولا تتوقف القصة عند قضايا المرأة فقد سعت للكشف عن سر ذلك الشاب, حيث تضعنا أحداث القصة أمام الواقع وتكشف لنا عن سر القاتل الغامض, الذي استطاع مجموعة من الشباب الإيقاع به أن ينتزعوه منه, وهو سر قديم متجدد طالما اشتكى منه الجميع, حتى تمنى البعض منهم أن يكون ذلك السر رجلا ليقتله ويخلص الناس من شروره, إنه الفقر ولا شيء سواه, وهذا ما نجده على لسان القاتل بعد وقوعه في مصيدة الشباب حيث بدأ يهذي ويشرح لهم حياته:
” – الفقر والحاجة تذل أعتى الرجال.”
ثم يقوم بسرد قصة وقوعه بعد موت والده في يد امرأة غنية مصابة بالإيدز بعد أن احتالت عليه لإيقاعه في شرك الخطيئة دون إرادته مما اضطره لقتلها قتلة شنيعة.
وقد ترتب على ذلك أنه أصبح ينظر إلى كل النساء بأنهن نسخة منها بعد اكتشافه أن صديقة أخته تحمل المرض ذاته مما دفعه لقتلها والهرب من وجه العدالة التي أخذت تطارده بينما استمر في انتقاماته حتي أصبح القتل جزءا من حياته:
” الناس… لا أعرف كيف لكن القتل أصبح جزءا من حياتي فكما تدمرت حياتي وفقدت كل شيء كان لابد أن أنتقم لكل ما حدث .
أخذ يصرخ عاليا :
-يجب أن تموت كل النساء النساء هن الدمار …هن الكارثة…..”
وتأتي النهاية المفتوحة للقصة لتمنحها أفقا واسعا, وتترك الباب مشرعا أمام الخيال والمزيد من التأويلات:
“وما إن دخلوا حتى ثبتت نظراتهم على مكان خالي يستعرض زهوه في كل الزوايا….!”
وفي الأخير يمكننا القول أن القصة تتمتع بلغة سليمة تتكئ على الشعرية وأسلوب التشويق, وتتمتع بنفس سردي يؤهلها لأن تصبح رواية, ويبشر بروائية قادمة تتمتع بخيال واسع وأفق غير محدود.
ولا تبتعد قصة “غــربة بلا رجـوع” لندى أحمد الأشول, حيث تنطلق القصة من منطلق المرأة ومعاناتها وخيبة أملها وخاصة بعد موت زوجها الذي خلفت منه ثلاثة أطفال, واضطرارها للزواج من أخيه الذي أرادت أن يكون سندا لها فكان بعكس ما توقعته, وتدور أحداث القصة حول الولد

قد يعجبك ايضا