جدران متبخترة

خالد القزحي
ومنحت نفسي فرصة أخرى لعلي أعترف بأني قد أسهبت في الإبحار في لجة الأحلام والآمال المتلاطمة من شدة الاحتياج. كولومبوس وجد ضالته بسهولة وإن استغرق وقتا لأنه يعرف أنه سيجد ما يبحث عنه, بينما بحاري صارت محيطات من الأوهام الجلية اللا متناهية.. وإذا بي أكتشف أني أشتد من كثرة اللامبالاة لا مبالاة لكل ما حولي وليتها كانت لكل من حولي. ارتطمت بجدار من تلك الترسانات المبالغ في استخدام أقطاب الفولاذ فيها والمشابهة في القسوة للحدود الفاصلة بين البلدان العربية وفي عنصريتها بين مستوطنات الكيان الصهيوني وحجار المقاومات الفلسطينية وتشابه لحد كبير ارتفاع سور الصين القديم. لم يكن هذا الجدار ماديا ولكنه صهر المكان والزمان معا ليكونا جدرانا تختلف عن جدران منازلنا اليتيمة الثراء. ذهب الذهول بذهول متعاظم وأنا أنظر لتلك الجدران المتكبرة والغنية بالألوان التي تتغير بحسب المناسبات كلما زرت منازلهم. لم أعهد نفسي أتأثر لمجرد رؤية الكنوز في مسلسلات علي بابا والأربعين حرامي. دخلت على شكل روح لا تصدها الجدران وقمت بعد أموالهم المتضاعفة وعقاراتهم التي تتسع لنا دونهم. أصبحت أخاف أن قد صöرت حسودا لما يمتلكون. لم لا ¿! فهم قلة وبإمكاننا جمعهم في بيت واحد من بيوتاتنا المهترئة. بينما نحن أصبحنا غثاء متزايدا متكاملا يكفي رغوة لجميع المحيطات نعمل لأجلهم. لعلهم يبادلون بكائنا وتعبنا بمجرد ابتسامة ندفع بعدها أرواحنا رخيصة لتسد الفاقة الشهوانية التي يتمتعون بها للسيطرة على أجسادنا وعقولنا. تلك الثلة الملونة بين أبيض وأحمر وأصفر ومتلون يبتسمون فقط لمن يريدون. الحرباء وحدها من تستطيع مجاراتهم الإبحار في عالم الألوان المتجدد إلا أنها تأكل فقط عندما تجوع. مثلنا تماما إلا أننا مجردون من الألوان كتلك الصور الشمسية القديمة.. ربما نحن أفضل قليلا فنحن متحركون .. نحن نشبه لحد كثير أفلام تشارلي الساذج بالأبيض والأسود ..ومن دون صوت. مجرد مهرجين للقرن الواحد والعشرين ومن دون صوت. ننكر وجود التكنلوجيا المتسارعة النمو ونستمر بحبس أصواتنا خوفا من أن يكتشف العالم أنها غير مسموعة مهما رفعنا صوت التلفاز أو أنها غير مفهومة لما يجول بذهنهم.. لقد أصاب أصواتنا حالة من الانفصام وهي تصيح بداخلنا أكثر من محيطنا ومع هذا تحاول أن تختفي كي لا نكتشف أنها حزينة تمسح وجهها من الدموع كأيتام لندن قبل عشرات العقود وهم يمسحون عن وجوههم البيضاء غبار المداخن الحالكة السواد كل مساء. حتى اليوم تقاسمناه مع أصحاب تلك الجدران المتبخترة.. لهم النهار والمساء ولنا الليل المظلم البارد المليء بأشكال البكاء والدعاء. هم يشعلون الشموع ابتهاجا بأعياد الميلاد والأفراح ونحن نشعلها لندفئ أولادنا من صقيع الشتاء الدائم في قلوبنا طوال العام. نحمد الرب أننا نتساوى حتى في إشعال الشموع مهما اختلفت الأهداف. ربما هم ليسوا مثلنا من تراب.. لا بد أنهم خلقوا من قرن الخرتيت ولندرة هذه المخلوقات فأعدادها قليلة وأثمانها تتجاوز ثمن الملايين من البشر. لكنني أتذكر أننا تعلمنا في مدارس البسطاء المتشققة أننا جميعا من نفس التربة. وكذلك قال أحد الخطباء.. لا أعتقد أنهم قد يكذبون علينا ¿! لعلهم لم يكذبوا وأنني أنا من أساء فهم عبارات العدالة والمساواة. لعلي أبحرت بعيدا عن التيار.. أو لعل كل هذه الملايين الجائعة ليست بشرا.. نعم ربما هم مجرد ملائكة منزوعة الإرادة تفعل ما تؤمر به فقط. هذا يعني أنني أيضا ملاك .. يالله..! هذا يؤكد أيضا أنه يجب أن أعمل بدون شكوى وبدون أن أتكلم . لا أتكلم ولا أقترح ولا أحزن ..! ولماذا أحزن أصلا مادامت تلك هي مشيئة الله! ولكن ماذا أقول لأولادي عندما يكبرون..¿ هل سيصدقون أنهم ملائكة أيضا ¿ أعتقد نعم فهم يعلمونهم في المدارس أن الملائكة لا تأكل وهم نادرا ما يأكلون.. سأقول لهم أننا يجب أن لا نأكل كثيرا كي لا نفقد ملائكيتنا.. وبالطبع الملائكة لا تأكل اللحوم ولا الفواكه ولا ترتدي الغالي من الملابس أو تسكن المريح من المنازل كي لا تعجبها معيشة البشر فتتمرد وتنسى واجبها.. الحمد لله . لن أضيع وقتا طويلا لأن أولادي قد تعودوا على هذا العمل الملائكي الجليل…

قد يعجبك ايضا