التشـكيـل .. رصــد الحيـاة بالجمـال
د.فارس البيل

د.فارس البيل –
يكاد التشكيل يندغم بالحياة بوصفه حياة موثقة ليعيد تشكيل الأولى وقراءتها ذلك الفعل الساحر حين يصبغ المشاعر والأفعال ومدارك الحس عبر ألوان الفتنة وخطوط التماهي النابضة بشغف الوصف وحديث التجسيد الذي لا ينتهي ولا تنفد تعابيره ودلائله.
ذلك ما تعزفه بسخاء الفنانة التشكيلية البارعة / سبأ القوسي حين تطلق فرشاتها بمعية الضوء والوصف والتأمل لتدون القضية والمشهد واحتمالات المدرك وأبعاد اللامدرك أو هكذا تنتج ألوانها مسرحية مكتملة عبر لوحة واحدة تختزل القضية وتنúضم دقائق السلوك وتفاصيل القöيم. إنها تعúبر الفكر بسلاسة مثقلة بحمولات التأويل ومطارح التفسيرات المخضبة ببهجة الأبعاد وقدرة اللون وانفتاح الحدث المنصهر في لوحتها. يمكنك الوقوف طويلا أمام لوحة واحدة لتستنطق مكامن الحياة وانفعالاتها وبوح الناس والتباس أيديولوجيات العقل وحتى زخرف الطبيعة ثابت الجمال فإنها تقوم بعملية تدوير لها بتضاريسها المختلفة وكائناتها الزاهية لتنقل لك مشهدا دراميا يحرك الجمال في الطبيعة لتغدو الصورة الواقفة نسيجا نابضا بالفعل والحديث حتى لكأن الريح تلفحك عبر لوحتها الصامتة وارتدادات الصوت تنبعث من بين تمازجات تفاصيلها. تغدو التعابير التي تؤلفها التشكيلية / سبأ عبر قيمية الوجوه وانزياحات الأجساد وتراتبيات الأجواء المحيطة بما في ذلك الأزياء والجوامد والفضاء وما خارج إطار اللوحة تغدو جميعها حراكا مشتعلا موحيا بأنماط الثقافة وأبعاد القيم المجتمعية وعادات الناس ومألوفاتهم ومواقفهم من الإنسان وسلوكه والحياة ومواقفها إنها تنقل كل ذلك عبر شكل ثابت لكنه ناضح بكل الحركة كما لا يمكن لكتاب أو قصيدة أو رواية أن تدونه بجلاء. لا تكاد الغرابة تألف لوحاتها أو الأعاجيب وأساطير الحياة إلا بما يصير شائعا إذ إنها تمتاح رؤاها التي تشكل صورتها من محسوسات الفعل والمادة المدركة لتنقل إليك قضية ما أو رؤية معينة أو فكرة عالية استهلكها الناس في حياتهم أو لم يلقوا لها بالا وغدت بلا تأثير وأثر . كما أنها تصادق البيئة المتاحة وتنقل لك القريب من إدراكك في الحياة والمأخوذ بعناية مما حولك فيستفز ذلك عينيك وانتباهك ليغرقا في تفاصيل فاتنة لها بدايات تتداخل بنهاياتها ومعارج رحبة.
لو لم يكن من لوحات الفنانة سوى أنها تمزج اللون بالمشهد ببراعة لاتترك لك مجالا للتشتت بينهما أو الانجذاب لواحد دون آخر .. إنها تعبر اللون إلى المشهد وتتحرك باتجاه العقل والشعور بيسر تام تصوغه قدرتها المنتشية على صنع حدث متكامل يحتمل أكثر من تأويل كلها تصب في قالب الفكرة المؤسسة للوحة.
يمكن القول إن المشهد الفني اليمني التشكيلي بخاصة يكسöب اليوم تجربة ملهمة وخطا إبداعيا رافدا يقدم اليمن ومشهدية الحياة فيه وبيئته وتفاعله الاجتماعي وشواغل فكره وثقافته باحتراف متقن يتأثر بكل مدارس التشكيل لكن بنزعته نزعته المستقلة وينقل عنها كلها ما يؤهل الصورة للقول والسرد والوصف والتحليل. على أنه لابد لهذه التجربة الناضجة أن تغوص أكثر في تفاصيل الحياة وإضماراتها وتنتج كثيرا مما هو تدوين جمالي عميق الجذب شديد التشويق والإلماح. وألا ينقطع اندفاعها نحو الإنتاجية المتقدمة وتدفق العمل والانتشار والذيوع لفن مهم وشديد الكثافة وهذا أملنا في الفنانة القديرة.