أرذل العمر مآس

عمر كويران


 - عمر الإنسان بمراحله المتعددة محشو بآلام بنسبة مئوية كبيرة حتى وإن تخللتها فترات راحة وانسجام مع الحياة.. وأعتقد أن الفرد من تكوينه حريص على إبقاء حياته مليئة بالعطاء والحيوية.
عمر كويران –

عمر الإنسان بمراحله المتعددة محشو بآلام بنسبة مئوية كبيرة حتى وإن تخللتها فترات راحة وانسجام مع الحياة.. وأعتقد أن الفرد من تكوينه حريص على إبقاء حياته مليئة بالعطاء والحيوية. لكن ليست كل المراحل بما يهواه هذا الفرد لمسكن عمره.. فالمنغصات تأتى من دون إشعار سابق فتلحق بمن يأتيه ضرر في مجرى تصرفاته من دون قياس لمزمن الدرجات في سلم الأيام المتلاحقة فينكشف الحال وتظهر كل المعالم غير المرئية في حياته خلال زمن استمتاعه ببسمة العمر التي عاشها بعيدا عن منكشف حاله..
من أصعب المراحل الأكثر قسوة في حياة هذا الإنسان هي سنواته الأخيرة لما بعد سن التقبل لمعترض الألم الخفي لمراحل أرذل العمر فهي الأقسى شدة والأكثر عناء والأسوأ حالة فهو لم يرحل عن الحياة بالشكل الذي يفرضه الواقع (الموت) بل رحيل العمر بمآسيه المصنفة بالشيخوخة لما بعد المفترض من عمر الفرد… ولعل الأخطر منها تلك الفترة التي ينسى فيها الإنسان ذاكرة الماضي والحاضر ويبقى حبيس نفسه في موقع يرثى له حين يصل به المقام إلى كراهية من حوله لمسكنه بينهم.. وقد يقسو عليه أكثر من إبعاده إلى دار العجزة وهى المرحلة التي لا يتمنى أحد إدراكها فيكون آخر محطة له ذلك المكان قبل مكانه الأخير: القبر.
من أراد معرفة تلك المسافة بمنتهى مراحلها للبقاء على ظهر الدنيا ومعرفة حجم نتائج الصراع على البقاء بحقيقة المعنى.. عليكم التوجه للوقوف أمام الحقيقة في أروقة دار المسنين التي تأوي العديد من تلك الأصناف ممن كان لهم كلمة قبل الوصول إلى هناك فيرى من لم يدرك ختام سنوات عمره في أرذل المواصفات ما يجب عليه إدراكه والنظر بعين مرتقبة لحاله من نفس موضع المكان فسوف يعرف ما معنى طول العمر ومقاس أرذله.. فهو خيال واسع مشتق من حقيقة واقع علينا تداركه بما هو أقل تكلفة تجبرنا على ذلك وقتلها.. فالدنيا بزينتها ورفاهية التعايش معها لا تحمل أية زينة ولا معيشة تمنحنا الثقة بها طيلة بقائنا فوق أرضها. ووصفها من ديار المسنين قبيحة.. منظرها بشع تفتقد الرحمة بهذا المسكين والشفقة عليه من سوء الوضع.. فهي قاسية الرؤية لمن يرى بأم عينيه كيف تتعامل مع هذا العمر من محط رذالته. والأوسخ من كل تلك الحالات القاسية.. قسوة الأهل على هذا المسكين غير القادر على الدفاع عن نفسه فهم فقط في آخر معاملة معه إيصاله إلى تلك الدار لأنه يمثل كابوسا مؤرقا على حياتهم وعليه أن يخضع لحال العذاب لمدار ما تبقى له في هذه الحياة.. وكم سيشاهد من يزور أقسى دار في رسم معالمها ما لم يراه فربما يتذكر نهايته إذا وصل إلى تلك البقعة. تسمع من المساكين شكوى مريرة جدا من ما يصنع به أولادهم من حقهم وتركهم دون السؤال عنهم إلا من رحم ربي .. فالوحدة والمعاناة تضاعف من زيادة قياس الألم.
نحن بشر وهذا الصنف من مخلوقات الله هو الأقسى في حياته مع من حوله وهو الطاغية والمتكبر والقاتل والظالم في شتى معالم عطائه حتى يتخطى سنوات عمره إلى سنوات أرذل العمر فيحاول استعادة الذكريات بأشد ألم.. فيبكي على كل عمر ضاع منه وأوصله إلى دار العجزه غير القادرين على فعل شيء .. المنبوذين في حياة أبنائهم وعامة الناس وخشية من الوقوع في مطرح المكان عند زيارة هؤلاء المسنين بجملة عمر بقائهم على قيد الحياة.

قد يعجبك ايضا