نصوص بلا هوية تحاول شعرنة السرد

بشير المصقري



يبدو القاص والشاعر محمد الغرباني في مجموعته الأخيرة الموسومة بـ (أقاصيد) محاصرا بين هويتين أدبيتين تترواح بين السرد والشعر بيد أن ذلك لا ينفي عن شخصيته الأدبية التحوصل الذي نلاحظه في نتاجه الأخير وهو يكتب الأقصودة جامعا بين القصيدة والقصة القصيرة جدا والتي تمثل منحى آخر في تجربته بين الجنسين وتمثل أيضا مرحلة جديدة في إطار التعدد الذي يطوق فعله الأدبي ويتصل هذا التعدد بتعدد الكيانات وأوجه هذه الكيانات في ذاته كأديب وكاتب وناشط شبابي وسياسي وانخراطه في العمل النقابي والمهام مع منظمات المجتمع المدني وهذا الشتات يعد مبررا كافيا لتجريبه البطيء في حقول الإبداع وممارسة التواجد الفاعل في خضم المشهد الثقافي في ذمار واليمن عموما ومن هذا المنطلق كان اشتغال محمد الغرباني على كتابة نص يجد التبرير مرة أخرى لرفع عنوان لنتاجاته القصيرة الأخيرة ” فأقاصيد ” التي تعطي معنى دلاليا لا يحاكي جنسا أدبيا على حده ولذلك لم يكن الدأب مستحثا في سياق توجه نحو النص المفتوح ولا هو في ذات الوقت أغلق المعنى على جنس له شروطه وعناصره فالومضة في تعريفها من عناصر مثل التكثيف والاختزال المفكك والمفارقة والقصة القصيرة جدا تعتمل في عناصرها الحدث والزمن والمكان والشخوص وعلى هذا الأساس تعامل محمد الغرباني في كتابته للأقاصيد مع الفكرة النصية المجردة التي لا تطيق ولا تستسيغ التجنيس وتحتمل التوصيف ومن جادة الممكن القول إن الغرباني يكتب قصيدة نثر سريعة ” ومضة شعرية ” بدون إشباع التأمل لكونه أهم ثيمات كتابة النثر بعيدا عن السرد ولكون النثر يستند العقل كمركز إلهام على حساب العاطفة التي موطنها القلب وليس بالقدر ذاته يرتكز السرد على إشباع التأمل فللمدعي شؤون أخرى وهذا لا يعد عيبا إلا من خلال معرفة شروط كليهما وهنا يمكن للناقد طرح رؤاه استغلالا للعنوان المفتوح بين الومضة والقصة القصيرة جدا وهو ماسأحاول التركيز عليه فنيا في تجربة الغرباني وعبر مجموعة أقاصيد جديدة وحديثة ..
من خلال تتبعي للغرباني ولمعرفتي أنه كتب قصيدة التفعيلة باقتدار في مراحل سابقة من تجربته وكتب قصيدة النثر الطويلة وجدت حيازته لأدوات الشعر والنثر بشكل شبه مكتمل ليولج في كتابة الأقاصيد بوعي لا يجدر معه الوقوف على معايير ونسب النجاح من عدمه فيما طفق باديا من منتوجه الأدبي عموما , إن التخلق والتخليق والسمات التي تحتويها الأقصودة لديه لا تجتر سبقا محسوبا لهذا الوعي بقدر ما تجتر القيمة الأسمى لجدوى هذا النجو الإبداعي وقد تباينت مقاييس التسطيح والعمق فيها وعلى سبيل المثال يقول :
الخطى الثقيلة
يرهقها حلم
…………
ظهركö العاري
شبكة مليئة بالرجال
……………….
وجهكö ممنوع من النشر
……………..
أنا مطر متأخر
لأنكö غيمة غائبة
يتضح بجلاء الخلو التام من أي طريقة منهجية على الاشتغال وفق شروط أي جنس للأدب القصير وهو توجه لا يحمل هوية لكنه تجريب فارغ من استحضار التأمل فالسابق يأتي بوصفه استخلاصا وتخلصا عاما من محمولات أفكار غير يانعة لا يمكن القول ازائها أنها سوى تمتمات وتتمات أثقلت كاهله الإبداعي باتجاه المرأة وجدلية القناعات المرابطة في قرارته و الناتج سرديا عن حدس لا يتماس مباشرة مع عمق فني غير الفكرة فقط و في جاهزية باردة , ومن قبيل الإقرار الوثوق أن الطرق إلى الإبداع تحفها مسارب مختلفة وطرائق متباينة وإذ لابد من تخليص الوجدان من رتل مشاعر تفسح المجال للتجدد والتحسب لتحديث يمكن من إحلال بدائل أخرى لقناعات فكرية ذات مضامين فنية أجد إيغالا وأكثر حدة وعلى نفس الذائقة وبذات الاشتغال المقرون بالمنهج الانطباعي لذات الغرباني ومن داخل أغوراها فيقول :
لو كنت في الجاهلية
لعلقت قصائدي على أجساد النساء
وتركت الكعبة عارية ..
يحاول الغرباني ويجرب ويستجد في فتح نوافذ للفكرة ذات رؤية تخاطب المتراكم من الموروث والحكايات العتيقة والأساطير باتصال بين إرثين كما هو الاتصال بين جنسين أدبيين مختلطين لديه فيتأتى بعض من عناصر التكثيف المائج شعرية مع التطعيم بموصوفات السرد بإيماء يبقي القصة دليلا للاختطاط السردي فلم يحضر التفكيك كبنية أساسية للقصة بمختلف أنواعها ويظل التداعي بين بين فيما تظل المرأة كهجس يراود باله ويغذي قناعاته محددا لمسارات العلاقة مع الأنثى بضبط يكتنفه منطوق خيالي عمل على ربط الفكرة بالصيغة الفنية :
العصا التي حملها موسى
أنثى أيضا
يتهادى العمق بنجاح ويتراءى للقارئ ذلك الإيحاء الدقيق والمفعم بمحاولات شعرنة السرد من خلال تأويل ممعن في فحوى الفكرة فعصا موسى تصورت في شكل أفعى للناظرين وذلك انزياح عميق هادر يتقمص التوظيف البلاغي غير

قد يعجبك ايضا