طغيان الوصف والانتصار للمرأة (2-2)

محمد الغربي عمران


وإذا كنا قد تناولنا في عجالة نهايات تلك النصوص.. وبلاغة الوجد الموصوف في نصوص حامد.. فلا ننسى أن نشير إلى أن ذلك يحسب إلى رصيد قدراته فلا كاتب بلا لغة .. ولا مبدع سردي بلا وصف.
وننتهي في هذه القراءة بتناول بعض نصوص إضمامة غادة الخاوي”شرائط الساتان” ونركز على نقطتين:
– النهايات الفارقة .
– وحدانية الشخصية النسوية.
بعض النهايات المتقنة.. التي خالفت الكاتبة بها نصوصها الأخرى .. إلا أن الكاتبة في أكثر نصوصها أتبعت النهايات المعلقة.. ومنها النص الأول بعنوان “جوع” حيث سلكت في صياغة مايشبه طابع الفقيه .. حين ضاع الحدث تحت طوفان الوصف الجميل .. والمحسنات اللغوية.. حينها يدرك القارئ بأنه يقرأ نصا يستعير الكثير من الأجناس الأدبية..أو أنه يتماس مع القصة وصور الشعر والكتابات الوجدانية …. الخ. حتى أن الشخصية تتماهى . وفي نص “اللوحة الناقصة” أيضا يسيطر الوصف. ويوازيه حوار. وكذلك في نص “بلور” حين غام الحدث تحت سحب الوصف الجميل. وفي نص”صرخة الريف” تعالج القاصة فيه الطفولة المشردة..وتلك الهجرة من الريف إلى المدينة والضياع بلغة وجدانية طاغية.. وهكذا نص “ظلال” وذلك الحوار مع الذات وماضي الأيام والعلاقات الخائبة.وكذلك نص “معراج” ونص “الصباح الأبيض” الذي أبتعد كثيرا عن فن القصة.. ليرسو على ضفاف الخواطر العذبة.
لكنها “شرائط الستان” قصة نصا يختلف كثيرا .. أو أن الفكرة في تلك النصوص سابقة الذكر لم تنضج.. وقد تكون القاصة تفضل ذلك الأسلوب الذي يحلق بوجدان القارئ عاليا دون حدث أو تنامي للشخصيات أو الأحداث .وأجزم بأن قصة”شرائط الستان” قد أخذت حقها من الوقت قبل أن تصيغها الكاتبة .. هنا الفكرة قوية وواضحة.. الأحداث متلاحقة وشيقة.. الحبكة متضافرة.. والنهاية ” لم تتمالك الأم نفسها لتطوق نغم والدمع ينهمر حار وغزير كالدم في عروقها وهي تردد: لكö ذلك غاليتي.
لبست نغم فستانها الأبيض وسرحت والدتها شعرها بشرائط الساتان الحمراء فبدت كالملاك..هاهي طفلتها تتورد وتعود كما كانت..لم تصدق أنها ستعيش لتراها هكذا من جديد حتى أن الأحلام توالت لتتخيلها عروس في يوم زفافها. أشترت والدتها باقة الزهور وبينما هما تقطعان الشارع للوصول إلى المقبرة سقطت الباقة لتنحني “نغم” انحناء عروس تقبل يد اشبينها . صوت مكابح يعود بالأم إلى الواقع لترى نغم وقد سالت ألوان شرائط الساتان في شعرها على كل جسدها. يبدوا أن موعد رحلة السلام قد حان.” هي نهاية فارقة وحزينة.. نهاية نتاج أحداث متلاحقة ..وصراع متنام.. نهية قد يتوقعها بعض القراء.. وقد يخفق الكثيرون.. لكنها نهاية قوية وحزينة.
وفي نص بعنوان “القديس” تقدم لنا القاصة موضوعا غاية في الأهمية لشاب مستهتر لا يفهم من الحب إلا أنانيته ولهوة .. ويرى فيمن تحبه غانية.. ويرى في علاقاته المتلاحقة رجولة وقد جاءت نهاية النص كما يلي” أما هو فقد بنا لنفسه حياة وردية أخرى.تزوج وأصبح أبا لعدد من الأطفال وذاكرته مزدحمة جدا لتعود به الذكرى لما فعل.ظنته يتجرع غصة عذابها في كل ليلة يتوسلها في منامه ويستجدي غفرانها, أو ربما يتمنى لو يجد فرصة ليصلح شيء مما كسره بداخلها. لكن للأسف بدا وكأنه صدق كذبته وتأثر بثوب “القديس” الذي يلبسه وبكل وقاحة عاد إليها بعد أن بنت لها حياة أخرى, بعد أن ولدت من جديد وأرادت أن تتصالح مع العالم أجمع.
عاد يسألها لما لا تحترمه !”
توازن ومفارقة مدهشة. خاصة في الجملة الأخيرة “عاد يسألها لما لا تحترمه !” وبالرجوع إلى تلك العلاقة بين الأخ وأخته.. وقد تكون بين الشاب وحبيبة الأمس.. مع كل دناءته وأفعاله الرخيصة.. يتوقع أن تعود لاحترامه. نص قوي ومختزل ..ومكثف ..فلا فضفضة ولا وصف زائد .. ولا محسنات بلغية ..بل جمل مقتضبة وسريعة حتى الجملة الأخيرة التي توحي بالكثير الكثير.
وإذا ما قرأنا مجموعة الأقاصيص ضمن إضمامة “شرائط الستان”.. فسنجد أن من بينهن ما تشي بقدرات القاصة على اختزال ما نصيغه في صفحات يمن لها تقديمه في عدة أصدر ..أو كلامات. فقد ظهرت في تلك الأقاصيص الفكرة بجلاء.. ولم تترك الكاتبة حيز للفضفضة والتطويل.. وما يدهش أكثر أن اختتمت بعض تلك النصوص بمفارقات مدهشة.. فمثلا نص بعنوان” حرية” يقول النص:
“مفاتيح قيدي صدئة أو ربما أضعتها هناك حيث لا أرغب بالبحث..
أجر قلمي وأحشره في قلب القيد ..لأتحرر.” ثمانية عشر كلمة .. حملتها القاصة بالرمزية العالية وما يحمله القلم من مدلولات..أو ما يقوده العلم إلى مراتب عليا ويغرس قيم سامية .. مفارقة النهاية غير متوقعه .
وأقصوصة ” أجرة ” ثلاثة عشر كلمة تقول الكاتبة “لأنه أحبني كثيرا خبأني في محفظته..أستقل سيارة أجرة وعندما غادرها ..دفع بي الثمن.” حين أكملتها وجدتني أبتسم.. وأتخيل من يقرأها سيفعل مثلي.. بعد أن يدهشه تصرف ذلك الحبيب الذي يذكرني بحكا

قد يعجبك ايضا