الحكيم.. والمدنية
حسن حمود شرف الدين
منذ قيام ثورة 62م وتأسيس النظام الجمهوري على أنقاض النظام الملكي ظل يبحث عن الدولة المدنية ولم يجدها إلى ان استقرت رصاص الغدر والخيانه في جسده على مرأى ومسمع من المارة.
لم يكن كسائر الناس الذين يمشون على رجلين.. ولم يكن كسائر عباد الله.. كان متميزا برؤاه العلمية والعقلية وحتى القبلية.. قصة حبه مع الدولة المدنية التي كان ينشهدها لأكثر من نصف قرن لم تكتمل ولم تؤسس بعد.. ظل يجاهر بالكلمة والمواجهة المعتمدان على الصدق والبينة.. لم يعرف المراوغة السياسية حتى جاءه “الموتور السياسي” قبل ثلاث سنوات تقريبا.. لم يكن لديه أي مشروع طائفي أو مذهبي أو حزبي.. فقد كان الوطن مذهبه وحزبه وكل ما يهواه وليس غير الوطن.
يكفيك جلسة واحدة معه لتعرف من هو وما هي رسالته ومبادئه وتوجهاته وكل شيء حتى تفاصيل حياته.. يسردها لك وكأنه يقلب ألبوم ذكرياته وملامح الأسى والحزن مرسومة على وجهه بينما شفتاه ترسمان ابتسامة الأمل والتطلع إلى المستقبل الأفضل. يحمل على كاهليه حملا ثقيلا لا يراه إلا الراسخون في العلم.. يحمل مشروع طالما تغنى به الآخرون وجعلوه مطية لتحقيق مآربهم الدنيوية.. عمل في السياسة فكان السياسي البارع وصب جل جهده على تأسيس فكر سياسي قائم على الديمقراطية والتعددية السياسية للوصول إلى هدفه المنشود وليضع الحمل الثقيل الذي أجهده كثيرا.. إلا أن “الموتور السياسي” الذي لم يتمكن منه منذ بضعة أعوام ليتمكن منه الآن كفريسة سهلة المنال ويطلق رصاص الغدر والخيانة على جسده وليفارق الحياة وتصعد روحه إلى السماء تجوب وتبحث عن الدولة المدنية التي كان ينشدها ولم يستطع تحقيقها.
لقاء واحد فقط مع الدكتور محمد عبدالملك المتوكل –الشهيد- كفيل بأن يسلب عقلك وقلبك معا.. كفيل بأن يعطيك جرعة سياسية تزيل ما بك من شوائب السياسة والعهر السياسي والتعامل مع الآخرين.. لم يكن يوما منذ عرفته عابس الوجه أو رافعا للصوت.. إنما كان ذلك الرجل الحكيم الذي يفكر قبل أن يقول.. يعمل قبل أن يتحدث.. يعمل ما يقول.. ولا يقول ما لا يعمل.
يكاد يجتمع الشهيدان الدكتور محمد المتوكل مع الدكتور أحمد شرف الدين في خصلة تعتبر العامل المشترك بينهما ألا وهي مشروع الدولة المدنية.. فكان شرف الدين المنظر للدولة المدنية والمتوكل الداعي إليها والساعي إلى تنفيذها بمختلف الطرق الديمقراطية الحديثة والمتاحة في زمن تملكه ضعفاء النفوس.
لا زال “الموتور السياسي” يجوب في شوارع وأحياء المدينة يلتقط كل ما هو جميل في حياتنا يخطف منا أعمدة الدولة المدنية في ظل غياب الدور الحقيقي لأجهزة الدولة.. لا نامت أعين الجبناء.