النازحون الطرف المنسي في الحروب بالإعلام

مأرب الورد

 - ينشغل الصحفيون أكثر وقتهم أثناء الحروب والصراعات المسلحة في تغطية ومتابعة كل جديد فيها من مراقبة عداد الضحايا مرورا بتتبع خارطة المعارك وانتهاء بترقب لحظة الطرف المنتصر مع
ينشغل الصحفيون أكثر وقتهم أثناء الحروب والصراعات المسلحة في تغطية ومتابعة كل جديد فيها من مراقبة عداد الضحايا مرورا بتتبع خارطة المعارك وانتهاء بترقب لحظة الطرف المنتصر مع أن كل أطراف الحرب خاسرين وإن بدرجات متفاوتة.
في غمرة هذا الازدحام والانشغال يضيع الضحايا الأحياء وهم غير الجرحى وإنما النازحون الفارون بأرواحهم وما استطاعوا حمله من منازلهم بحثا عن أماكن آمنة لا تصلها نيران المتصارعين حتى لا يدفعوا ثمنا يجني ثماره غيرهم.
الصحفي لا يكتفي بالبحث عن المعلومة من مصادرها الموثوقة ولا يتوقف عند تحديث أخباره بجديد تفاصيلها مع أن هذا من صميم وفي صلب عمله المهني,ولكنه أيضا يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق باحثا عن مكان لا أحد يسلط عليه الضوء رغم أنه يأوي نازحون من البشر لا يتذكرهم الكثيرون إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها حين يعود أطرافها إلى مواقعهم ويبدأ تفقد الضائعين.
إن لم يسلط الصحفي الضوء على معاناة من فقدوا منازلهم إما كليا أو جزئيا بالقصف أو فر ونجا بروحه بعد أن أصبح غير آمنا في مكانه ولا سبيل له إلا بالنزوح دون ترتيب أو إذن مسبق وعلى غير رضى منه يجد نفسه في العراء أو تحت خيمة أو عند أقارب له في أحسن الأحوال.
لذلك في تجاربنا المهنية نجد الصحفي يقضي جل وقته في اتصالات مع مصادره بحثا عن سبق أو الحصول على معلومة تجتذب قراء لموقعه الإلكتروني يتصدر به أحد محركات البحث أو يسوق به صحيفته في عدد اليوم التالي واضعا لها عنوانا على صدر صفحتها من نتاج ما حصل عليه لتبدو مزدانة كحال فتاة في عنقها قلادة.

أعرف أيضا أن هذه رغبة مشتركة بين الصحفي وجمهوره الباحث عن معلومة جديدة لا يهمه غير ما حصل اليوم نفسه أو الذي سبقه إن كان يعتمد على الصحيفة في استقاء معلوماته وهذا ما يضاعف محنة الصحفي ليجتهد بعمله لكسب رضى جمهوره.
إن اقتفاء وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بجديد الحدث أيا كان دون سبر أغواره والغوص في تفاصيله وخاصة تلك المغيبة خلف غبار القصف وأصوات الرصاص يعكس تقصيرا مهنيا وعجزا عن الوفاء بأهم مقتضيات الرسالة نفسها وهي البحث عن المظلومين والضحايا لعرض شكاواهم ونقل أوجاعهم لمن يعنيهم الأمر سواء كانوا في السلطة أو من منظمات المجتمع المدني لتقوم بدورها في إغاثة ومساعدة هؤلاء المحتاجين وتوفير ما يتطلب من احتياجات.
إن لم يبحث الصحفي عن نازحي الحروب والصراعات ويقص للرأي العام خبرهم فمن يفعل غيره وهو صوت الناس أجمعين والباحث عن المغيبين وراء الجدران والستار,وإن لم يذكر المعنيين بأمر هؤلاء مع بيان حالهم وحاجتهم للتدخل والتحرك السريع لإنقاذ حياتهم ومساعدتهم على البقاء على قيد الحياة فمن سيدفع منظمات الإغاثة للوصول إليهم وهي أصلا تعتمد على الإعلام بدرجة كبيرة في معرفة وجود محتاجين.
لقد أثبتت المواجهات الدائرة في مناطق قيفه بمحافظة البيضاء منذ أيام أن النازحين مغيبون عن وسائل الإعلام على الأقل أثناء فترة استمرار دورة الحرب ولا يتفرغ أحد للتذكير بما حصل لهم إلا بعد وضع الحرب أوزارها وهو ما يعني التأخر أياما وربما شهور عن التدخل لمساعدة هؤلاء مما يضاعف محنتهم ويزيد من معاناتهم بشكل أكبر مما قد يتم احتوائه لاحقا.
هل يعرف أحد أن ما بين سبعمائة إلى ألف أسرة نزحت من منازلها جراء المعارك في مناطق المواجهات وهل نشرت صحيفة يومية أو أسبوعية تقريرا أو خبرا عنهم وأين يتواجدون وتحدثت عن احتياجاتهم لعل جمعية أو منظمة خيرية تقوم بالواجب.
ما الذي يمنع وسائل الإعلام أن تسلط الضوء على النازحين مع اهتمامها بالضحايا الآخرين من القتلى والجرحى وبذلك تؤدي واجبها بتزويد القارئ بكل تفاصيل الحرب وتدفع بالمسؤولين للقيام بمسؤولياتهم اليوم قبل الغد لتدارك ما يمكن إنقاذه تفاديا لكارثة إنسانية محتملة.

قد يعجبك ايضا