مرحى يا عراق 13
أ.د عمر عثمان العمودي
العراق وحرب الخليج الثانية (1990-1991)
خرج العراق شبه منتصر أو حتى منتصر كما صور محصلة تلك الحرب من جانب صدام حسين وأركان نظامه السياسي وأجهزة إعلامه الشمولي في ذلك الموقف والسؤال المطروح هنا هو: هل كان على الشعب العراقي أن يستريح ويلتقط أنفاسه بعد معاناته الطويلة من تلك الحرب أم عليه ان يدخل في حرب ومجابهات أخرى¿ وهل من حقه أن يقرر ما يختار أم تفرض عليه قرارات سلطوية من قيادته السياسية العليا لأنها هي التي تعرف وحدها النهج والموقف السياسي السليم والواجب الإتباع¿
قال ويقول البعض إن النظام السياسي العراقي القائم حينذاك لم يكن قادرا على استيعاب جحافل تلك الأعداد العائدة من الحرب في ظروف الاقتصاد العراقي المتدنية وديونه الكبيرة للغير وخاصة دول الخليج العربية وهذه الأقوال هي من الأقوال الواهية التي لا تصمد للمناقشة الموضوعية الجادة لأن العراق يعد من الدول الغنية بمواردها المادية والبشرية ولديها احتياطي نفطي وغازي يعادل ما لدى السعودية وربما اكبر من ذلك والمهم كيف تجيد استثمار ما لديها على أساس علمي موضوعي ورشيد.
كان على صدام حسين ومعاونيه وأنصاره المخلصين في الدولة وحزب البعث العراقي المتفرد بالنشاط السياسي الصوري في البلاد أن تعطي الأولوية لترتيب البيت العراقي الداخلي على أساس العدل والإنصاف والمشاركة العامة للشعب في السلطة والثروة وان تنفذ الدولة مشروعا تنمويا شاملا ومتوازيا لمدة عشرة أعوام يقام على أساسها قاعدة كبرى صناعية وعلمية ومعرفية وبحثية تمكن العراق من القضاء النهائي على الأمية الأبجدية والأمية الالكترونية وإذا كان صدام حسين ونظامه يطمع ويتطلع الى التفوق والبروز العلمي والصناعي العصري المتقدم فإن البداية الحقيقية هي في ضرورة حشد وتجنيد ما لا يقل عن مائة ألف من العلماء والخبراء والفنيين والتكنوقراط ومن يلزم لهم من الإداريين العصريين وبدون هذه الأرضية فلا صناعات متقدمة مدنية وعسكرية وتكنولوجية وبهذه القاعدة التي يفترض تطورها وتجددها التلقائي والمستمر ستدخل العراق في عالم الدول القوية المزدهرة ذات الناتج القومي الإجمالي المتنوع المصادر.
ومن الحجج التي لا يمكن قبولها بشكل يذكر وفقا لمنطق العصر الحاضر ما قيل في أسباب غزو العراق للكويت والخاصة بالمطالب التاريخية للعراق في الكويت والسياسات العدائية التي اتهمت بها حكومة الكويت تجاه أسعار النفط والاستيلاء على بعض موارد العراق النفطية وكلها وما قد يكون فيها من بعض الوجاهة لا تصلح لأن تكون مبررا شرعيا لغزو الكويت الدولة المستقلة والمعترف بها إقليميا ودوليا وكان في إمكان العراق أن يستغل دوره في حرب الخليج الأولى “العراقية- الإيرانية” من منطلق انه في تلك الحرب لم يكن يدافع عن نفسه فقط بل وعن هذه الدول أيضا ويحصل بالتالي على قروض ومنح جديدة وعلى إعفاء من ديونه السابقة ولديه إمكانية التدخل السري ومساندة بعض القوى فيها ضد البعض الآخر فيها.
الغزو العراقي للكويت ونتائجه
لا يستطيع ولا يملك أي محلل أو مراقب أو متابع على أساس علمي أو موضوعي أو عاطفي ان يجد المبررات الكافية لرئيس العراق الأسبق أو السابق صدام حسين لغزو الكويت ذلك القرار الذي لا يبرر أي حال من الأحوال من أية حكمة أو رؤية صائبة ولا عن أي فهم سياسي واستراتيجي يوافق ظروف ومنطق العصر أين كان صدام ومستشاروه من بداية التغيرات والمتغيرات القيمية في المجتمع الدولي بداية من انهيار سور برلين عام 1989 وقيام أو إعادة وحدة ألمانيا بعدها بأسابيع معدودة وهل كان الاتحاد السوفيتي سيسمح بذلك لو كان لا يزال قويا متماسكا ولا يعاني من الأنيميا الاقتصادية والمالية وتفاقم مشكلته البيروقراطية المقيته¿ وهل كان صدام على تنسيق ما مع تلك الدولة أو مع دول أخرى لها قيمة وفاعلية في مجريات السياسة الدولية¿ الغالب انه لم يهتم بذلك وهل أراد بحشد قواته الكمي والعددي الكبير ان يحقق من المجابهة مع الكويت بعض مطالبه المهمة¿ ولكن الذي حدث وحتى بعد اجتياحه للكويت ان الدول المناهضة لغزوه للكويت والمعادية له كانت تريد الاستفادة من الفخ الذي رسمته له ووقع فيه أن تقوم بعقوبته والقضاء على قدرات العراق العسكرية وفرض املاءاتها عليه كذلك لم يفعل شيئا يذكر من أغسطس 1990 الى بداية عام 1991 إزاء تجمع القوات المعادية له في أكثر من دولة خليجية وغربية هل كان ينكر ان المعركة ستبدأ بين كتلتين عسكريتين صفوفا ضد صفوف وهل من مبارز¿
نجحت أميركا في تجنيد أكثر من ثلاثين دولة وبغطاء وشرعية المجتمع الدولي وبياناته وقراراته وعندما قامت الحرب بين الجانبين كانت نتائجها محسومة مقدما جيش تقليدي كبير العدد وضعي