غاب الفعل الثقافي وحضر الصراع السياسي

لقاء/ محمد القعود


المثقف اليمني .. في حالة بؤس ويصارع أسباب البقاء..!!
رغم الدور الكبير والهام الذي يلعبه النقد الأدبي في خدمة وازدهار الحركة الثقافية والإبداعية إلا أن النقد الأدبي في بلادنا توارى وتقاعس عن أداء ذلك الدور وتخلف عن مواكبة الإبداع وعطاءاته المتلاحقة وجعل الكثير يتساءل عن سبب ذلك الجمود والغياب المتواصل.
وعن المشهد النقدي الأدبي في اليمن نحاول أن نسلط الضوء حول واقعه وما يحيط به من إشكاليات متعددة ومناقشة كل قضاياه وذلك من خلال لقاءات متعددة مع نخبة من المهتمين بالنقد الأدبي في اليمن.
وفي السطور التالية لقاء مع الأديب والناقد عبدالرحمن مراد والذي تناول فيه العديد من الرؤى الثقافية وناقش الكثير من قضايا النقد الأدبي وتوقف أمام العديد من جوانب مشهدنا الثقافي وفيما يلي حصيلة اللقاء:

غياب طويل
* هل لدينا نقد يواكب الإبداع في بلادنا¿
– لا أظن أن لدينا نقدا يواكب الحركة الإبداعية منذ مطلع القرن الماضي وحتى اللحظة التي نحن فيها.. وهذا التعميم لا يلغي الحالات الاستثنائية في بعض السنين ولا بعض الأسماء التي كان نشاطها النقدي تفاعليا أملته الضرورات ولم يكن مشروعا نقديا قائما بذاته كما نجد ذلك في مصر مثلا فاليمن تعيش وضعا استثنائيا منذ نصف القرن الماضي ولم تتمكن من صناعة حركة نقدية تعيد ترتيب نسقها الحضاري والثقافي ومثل ذلك له أسبابه الموضوعية فالصراع السياسي يترك أثرا مدمرا في البنى المختلفة ومنها البنية الثقافية.. كما أن السياسات العامة للحكومات ظلت تحاذر الفعل الثقافي وتخوفه ولذلك لم تخلق المناخات الملائمة لنموه وترعرعه.. فلم يكن حظه إلا الغياب الذي بلغ ذروته في هذه السنين التي أعقبت الاهتزازات التي أحدثها ما يسمى بالربيع العربي.
* طيب .. وكيف تقيم ما يقدم الآن من دراسات وكتابات تحت لافتة النقد.. سواء عبر الصحف والمجلات أو عبر الندوات والمهرجانات الثقافية¿
– في حاضرنا لم يعد هناك شيء مما ذكرت.. وإن حدث فثمة تحايا ليس أكثر يرسلها الأدباء إلى بعضهم.
علينا أن ندرك أن الحواضن والحوامل غابت وغيابها كان سببا مباشرا في غياب الفعل النقدي.. فالصحف الثقافية توقفت وتوقفت الملاحق الثقافية والمجلات .. وخفت النشاط الثقافي في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.. الحاضر الوحيد هو الصراع السياسي وخرير الدماء ولعلعة الرصاص والموت والفناء.
في مطلع الألفية الجديدة كان في حياتنا شيء مما ذكرت وظل كظاهرة لم تستمر ويمكن أن يقال أن حركة نقدية صاحبت العملية الإبداعية وكان لها أثرها ولها نتاجها الذي يمكن التعويل عليه.
عدم مواكبة
* الاتجاهات النقدية الحديثة هل لها حضورها الفاعل في النقد اليمني .. وإلى أي مدى استطاعت مقاربة النصوص الإبداعية المحلية..¿
– هناك متغيرات كثيرة وهناك تعدد في الاتجاهات والمدارس النقدية الحديثة ..للأسف لا يمكن القول أننا استطعنا مواكبة تلك الحركة النقدية العالمية.. وليس ذلك عن عجز في الذهنية اليمنية.. ولكن بسبب غياب المناخات والبيئات الملائمة وتلك أسباب موضوعية كما أعتقد.
أما بالنسبة لمدى قدرة الدراسات النقدية الحديثة في مقاربة النصوص الإبداعية المحلية ففي ظني أن ثمة دراسات كان لها حضورها الكبير وقد ارتبطت مكانيا بجامعة ذمار وكان للدكتور صبري مسلم والدكتورة وجدان الصائغ الدور الأكبر في تجلياتها ولا يمكن أن نتجاوز الدكتور حاتم الصكر.. وقد نشعر بغياب الأسماء اليمنية في تلك التجارب ولكن ليس غيابا كليا فهناك الدكتور البار وعبدالودود سيف وعلوان الجيلاني وغيرهم بيد أن صعوبة النشر تشكل عائقا أمام الكثير من الأسماء اليمنية.
النقد وتجويد المادة
* كيف يمكن أن تسهم اتجاهات النقد الحديثة في تطور النص الإبداعي المنتج¿
– النقد يدرس طبيعة التجربة الجمالية والفنية والكثير من النظريات تدرس طبيعة التجربة الجمالية والفنية وقيمتهما وتحاول ردم الهوة بين المرسل والمتلقي وتأخذ على عاتقها محاولة الكشف عن الطريقة التي يمكن بها التمييز بين الفن الجميل والفن النافع وسواهما والنقد في طبيعته يعمل على تجويد المادة المنتجة وتصويب الانحرافات في النسق الفني والجمالي وهو من الضرورة بالمكان الذي لا يمكننا الاستغناء عنه في تعديه الثقافي والجمالي.. وكل تطور حضاري حدث في التاريخ صحبه نشاط نقدي مواز كان سببا فيه.
المنهج والمعرفة
* من هو الناقد .. وما هي مميزاته وإمكاناته¿
– الحقيقة تعريف الناقد صعب ومتشعب لكن دعني استعير من (ت . س . إليوت) قوله: الناقد هو ذلك الذي يستطيع أن يجعلني أنظر إلى شيء لم أنظر إليه من قبل أو أنظرت إليه بعينين أعماهما التعصب فحسب وهو الذي يضعني أمام هذا الشيء وجها لوجه.. ثم يتركني معه

قد يعجبك ايضا