اليمن.. وثقافة السلام والتعايش
عبدالرحمن مراد

مقالة
دل المزاج الشعبي هذه الأيام على ميله الشديد إلى السكينة والهدوء والسلام فهو رغم المعاناة الاقتصادية التي تلقي بكاهلها عليه يدرك أن تلك الحرب أشد وطأ عليه وأشد مرارة من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وارتفاع منسوب البطالة وزيادة أعداد البائسين والكادحين في صفوف المجتمع ونسيجه العام.
وأمام مثل ذلك الواقع نجد أطرافا يعملون جاهدين على تنمية ظاهرة التناقض الاجتماعي وتكاد خطاباتهم الإعلامية توقد النار تحت ظاهرة العنصرية والتمايز بعثا لها من مرقدها واحتماء بما هو تاريخي خوف الفناء وتنامي مثل ذلك قد يهدد أمن واستقرار اليمن ويعمل على تعزيز ظاهرة الانقسامات ونحن في أكثر من مقال نحذر من تلك الظاهرة وقلنا في أكثر من مقال أننا نعيش واقعا حضاريا غير مستقر ولا نشترك مع كثير من الطوائف والأحزاب والجماعات في المعتقدات والقيم وقراءة أبعاد وآفاق الواقع الجديد بوعي الاستقرار يجعلنا أمام مهام ثقافية وأهداف ثقافية جديدة علينا التعامل معها وفق ضرورات ومتطلبات الحاضر والمستقبل لاوفق فقه الصراعات الذي ظل مهيمنا على تفاعلاتنا المختلفة طوال عقود بل طوال قرون من الزمن كما أن الاشتغال الاعلامي المكرس على الموروث التاريخي والثقافي والديني تعميق لظواهر الانقسامات والعنصرية ولن يحقق الاصطفاف الوطني الذي نرغب في الوصول إليه في ظل كل الاعتمالات التي تحدث في نسيج المشهد السياسي والاجتماعي وقد يدرك المتابع الحصيف لوسائل الإعلام المختلفة حالة التباعد وعوامل التذمير في البناءات الثقافية والنفسية والاجتماعية ولذلك فالتأكيد على مبدأ الشراكة في ظل غياب الرؤية وتشتت المفهوم عند وسائل الإعلام عبث لا طائل منه وكل الذي نأمله أن تدرك الحكومة الوطنية المزمع تشكيلها خلال قابل الأيام وقد قيل أنها ستكون حكومة وحدة وطنية أن تشتغل على تحديد مفهوم الشراكة والتعايش ونتمنى أن يتضمن برنامجها الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية التي نوجزها في النقاط التالية:
1 – تفعيل وظائف الدولة بما يكفل التوازن والاستقرار ويعزز من قيم التوافق والتعايش والسلام.
2 – تفعيل دور المؤسسات الثقافية وتجديد وظائفها وأهدافها بما يتوافق ومتطلبات الانتقال للمجتمع.
3 – البدء في تحليل الظواهر التي تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار الوطني منطلقة من البعد الثقافي باعتباره محددا أساسيا للنظام والبناء الاجتماعي.
4 – إمعان النظر في القيم المجتمعية القائمة بالفعل وقيم الجماعات المسيطرة فيه كمحكات أساسية أو مقاييس لتحديد مضمون الامتثال والانحراف من أجل وضع الحلول والمعالجات.
5 – الاهتمام بالاصلاحات والتوسع في أساليب الضبط الاجتماعي وتدعيم التكوين النظامي من أجل استعادة القانون العام والطبيعي عند الجماعات والأفراد والتأكيد على ممارسة شتى أنواع الأنشطة من خلال القنوات الشرعية المتاحة بالفعل في المجتمع بعيدا عن منهجية التضليل والزيف وتكرار أخطاء المماثل التاريخي والتضاد الذي يعمق الانقسامات في البعد الوطني وبنيته الثقافية والاجتماعية.
6 – تحديد وضبط مفاهيم التوافق والتوازن والتعاون وإشاعة تلك المفاهيم كمنظومة ثقافية وإعلامية تحدد مسار المرحلة وتضمن عدم الانحراف.
7 – تزمين مراحل الانتقال التي توافق عليها المجتمع ونصت عليها وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل مع الأسراع في إنجاز الدستور الجديد فقد طال به الأمد كما لم يطل بما يماثله في التاريخ الإنساني كله إذ كلما أبطات لجنة صياغته في الانجاز كلما زادت مشاكل اليمن تعقيدا وعمقا.
وقبل هذا أو ذاك فالتركيز على البعد المعرفي في القيادات وفي إدارة الشأن العام ضرورة حتمية إذ أن جل الاشكلات التي يعاني منها اليمن سببها المباشر الجهل والتفاعل اللامسول واللاأخلاقي لبعض القيادات التي قد تصل إلى مواقعها بمعايير غير سليمة وغير أخلاقية وغير قانونية فاليمن في هذه المرحلة الانتقالية يزيد وعيا وبعدا معرفيا قادرا على التفاعل الإيجابي الذي يتجاوز الأثر السلبي الذي يتركه الفعل الناتج عن غياب المعرفة الحقيقية.
والمعرفة الحقيقية هي معرفة علمية ذات طرق ومناهج والوصول إليها يتطلب تفعيلا للمراكز البحثية والجامعات وتنشيطا للمؤسسة الثقافية والإعلامية التي تثير الأسئلة بمسؤولية أخلاقية عالية وفي ظني أن الحال الذي وصلنا إليه خلال العامين الماضيين سببه تهميش دور تلك المؤسسات التي أشرت إليها فالوصول إلى الانتقال وإحداث القدر الكافي من التطور لن يكون إلا عبر الدوائر الثلاث وتكاملها العقل الدين الفنون وهي دوائر اهملتها بشكل متعمد الحكومة السابقة فكا