ثورة 21 سبتمبر:قراءة في كتاب الرئيس مهدي المشاط عن التحولات اليمنية وأصداؤها الإقليمية

عبدالحافظ معجب 

 

يمثل كتاب “ثورة 21 سبتمبر وتأثيراتها على اليمن والمنطقة العربية” للمشير الركن مهدي محمد المشاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى، إضافة نوعية للمكتبة السياسية اليمنية والعربية، كأحد أهم المراجع السياسية والفكرية التي تؤرخ لحدث استثنائي في التاريخ اليمني الحديث وتفتح آفاقاً واسعة لفهم أبعاد ثورة حملت مشروع تحرر وطني في مواجهة الاستبداد الداخلي والتدخل الخارجي، وتزداد أهمية الكتاب من قيمة مؤلفه الذي لم يكن مجرد متابع بل كان شاهداً وصانعاً وفاعلاً أساسياً في الثورة وأحد الموقّعين على اتفاق السلم والشراكة وممن عايشوا تفاصيلها وكواليسها لحظة بلحظة ليقدّم رواية موثّقة تنطلق من عمق الحدث وتضع بين يدي القارئ وثيقة تاريخية بالغة الأهمية.

يتناول الكتاب مفهوم الثورة ومكانتها في التجارب الإنسانية قبل أن يعرّج على تعريف أنصار الله من زوايا متعددة كما يصوّرهم الخصوم وكما يقدّمون أنفسهم في أدبياتهم وخطابهم، ثم يستعرض نشأة الحركة وظروفها الخاصة منذ الحروب الست على صعدة وما حملته من مظالم جسيمة أسست لبذور الغضب الشعبي الواسع، ويربط المؤلف بين هذه التجربة المبكرة وبين دور أنصار الله في ثورة 11 فبراير 2011، مشيراً إلى كيف أن التدخل الخارجي والالتفاف على المطالب الشعبية عبر المبادرة الخليجية قادا إلى تفريغ ثورة فبراير من محتواها، وهو ما جعل أنصار الله ومعهم قوى ثورية أخرى يقفون في وجه تلك المبادرة ببعديها الداخلي والخارجي ويدفعون باتجاه مسار وطني مستقل.

ويمضي الكتاب موضحاً كيف تعاقبت الأحداث وصولاً إلى مؤتمر الحوار الوطني وما رافقه من اختلالات بنيوية وصعوبات للتوافق ليفتح المجال للحديث عن الأسباب الحقيقية لقيام ثورة 21 سبتمبر 2014م، وهنا يسلط المؤلف الضوء على صراعات أجنحة السلطة الانتقالية وإخفاق حكومة الوفاق ومشكلة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم اعتُبرت سبباً في تهديد الوحدة الوطنية، كما يوثق العوامل الأمنية والعسكرية التي غذّت الغضب الشعبي بدءاً من الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الإجرامية وصولاً إلى أنشطة الجماعات التكفيرية في بعض المحافظات، والحصار المفروض على صعدة والحروب التي شهدتها مناطق دماج وكتاف والجوف وأحداث عمران، وفي بعده الخارجي يكشف الكتاب حجم التدخل الأمريكي في الشأن اليمني سياسياً وأمنياً واقتصادياً وكيف أسهمت الهيكلة العسكرية التي فرضتها واشنطن في إضعاف مؤسسات الدولة إلى جانب الدور السعودي المتزايد في محاولة إخضاع القرار الوطني.

ويعرض المؤلف بإسهاب المقدمات والمراحل التي سبقت الثورة عام 2014م، من إرهاصات الاحتجاجات الشعبية وديناميكيات التصعيد وصولاً إلى لحظة الانتصار مبيناً أن الثورة تميزت بسمة فريدة وهي التسامح مع الخصوم والحرص على تقليل الخسائر وحقن الدماء قدر الإمكان في مشهد نادر في الثورات المعاصرة، هذه السمة جعلت ثورة 21 سبتمبر لا تُقاس فقط بقدرتها على إسقاط منظومة فاسدة بل أيضاً بقدرتها على فتح أفق جديد للتعايش الوطني وإعادة بناء الدولة على أسس أكثر عدلاً واستقلالاً.

أما على مستوى النتائج فيوضح الكتاب كيف تعاملت الثورة مع المواقف الداخلية والخارجية، بدءاً من اتفاق السلم والشراكة الذي مثل لحظة فارقة مروراً بمواقف الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وصولاً إلى تفاعلات القوى الدولية الكبرى كأمريكا والاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا وروسيا والصين، ويبرز المؤلف نجاح الثورة في الصمود أمام محاولات الانقلاب على الاتفاق وفي مواجهة تحديات الداخل والخارج بما يعكس قوة المشروع الثوري وإرادة الشعب اليمني في التحرر والاستقلال.

ويختم المشير المشاط كتابه بملحق وثائقي يحتوي على صور هامة لمراحل الثورة ووثائق اتفاق السلم والشراكة، ومشاهد مغادرة قوات المارينز الأمريكية لمطار صنعاء الدولي في رمز بالغ الدلالة على انتقال اليمن إلى مرحلة جديدة من السيادة والتحرر من الهيمنة الأجنبية، هذا التوثيق البصري يضيف إلى السرد التاريخي قوة ووضوحاً ليجعل الكتاب ليس مجرد دراسة أكاديمية أو شهادة شخصية بل وثيقة وطنية متكاملة تستحق أن تكون مرجعاً للأجيال القادمة.

إن كتاب «ثورة 21 سبتمبر وتأثيراتها على اليمن والمنطقة العربية» لا يُقرأ فقط بوصفه دراسة سياسية بل كوثيقة تاريخية من داخل الثورة كتبت بيد من كان يصفه الخصوم حينها بقائد جناح «الصقور» في الحركة الثورية والسياسية، عاش تفاصيل الثورة وحراكها وكان أحد صانعيها، وقبل ذلك عايش الكاتب مراحل نشأة أنصار الله ورافق قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مراحل متعددة خلال الحروب على صعدة وهو بكتابه الذي جاء في الأصل كرسالة ماجستير، يسد فراغاً في المكتبة العربية ويضع بين يدي الباحثين والمهتمين مادة واضحة وشهادة حية لفهم التحولات التي مر بها اليمن والمنطقة خلال العقد الماضي، ومن خلال هذا الكتاب يقدم المشير مهدي المشاط شهادة الثائر والمفكر معاً، شهادة تتجاوز السرد إلى رسم ملامح مشروع وطني للتحرر والسيادة والاستقلال وتؤكد أن ثورة 21 سبتمبر لم تكن حدثاً عابراً، بل محطة تاريخية أعادت صياغة علاقة اليمن بذاته وبالمنطقة والعالم.

 

 

قد يعجبك ايضا