سماحة نصر الله.. في الذكرى الأولى للخلود

سند الصيادي

 

لم يكن الارتباط بالسيد حسن نصر الله عابرًا أَو مؤقتًا، بل علاقة عشق صادقة ممتدة، نشأت منذ بدايات الشباب، يوم بدأت تتردّد أخبارُ الانتصارات في جنوب لبنان، فتعلّقت القلوب بخطاباته التي حملت الصدق والصفاء والعمق.
كان خطابه حاضرًا على الموعد في جدول أيامنا، لا يُترك حتى وإن كان في الشأن الداخلي اللبناني.
أُعجبنا بمسؤوليته وحنكته، وبنبرته التي تزيد القرب والطمأنينة والثقة بقيادته، فكان صدى كلماته مرجعية في الرخاء قبل الشدائد.
مع عدوان 2006 عاش اليمنيون والعرب لحظات الحرب جنبًا إلى جنب مع المقاومة، وتابعوا مجرياتها وهتفوا تشجيعًا وإسنادًا مع كُـلّ تفجير لدبابة صهيونية.
لم تنسَ ذاكرتهم استهداف البارجة في ذاك الخطاب الشهير، ووعود النصر التي تحقّقت.
وعندما اندلع العدوان على اليمن، وصل اليمنيون إلى ذروة العشق لشخصه، فقد كان موقفه استثنائيًّا في زمن نكران وعزلة استثنائي، وكان السيد حسن حاضرًا يؤنسنا في الوحشة، شمل اليمن بدعمه ومساندته، وكانت نبرته تتغير كلما ذكر اليمن وأهله -حبًّا ووفاءً-.
وجاء «طوفان الأقصى»، أقوى معادلات الفرز والتمحيص الإلهي، وكان ذلك الجبل حاضرًا، لم يتردّد في القيام بدورٍ كبيرٍ في الإسناد، متحملًا المخاطر للحفاظ على قواعد الاشتباك دون الانجرار إلى حربٍ مفتوحةٍ تضرّ بلبنان.
ورغم التهديدات والخسائر الكبيرة، أعلن موقفًا للتاريخ: «لن نترك غزة».
لكن لحظة الغدر باغتت الجميع؛ 83 طنًا من القنابل الخارقة للتحصينات أُلقِيَت في مكان واحد، ولم يكن من السهل تصديق الفاجعة.
يومان من الانتظار والقلق والأمل بأن يظهر بيان بالسلامة… حتى جاء الإعلان الحزين: استُشهد السيد حسن نصر الله.
كانت لحظة لا تُحتمل، خبرًا وقع كالصاعقة على القلوب، لم يكن الأمر مُجَـرّد فقد قائد، بل فقد سنوات من الارتباط الروحي والعاطفي، سنوات من العشق الذي لا يزول.
ومنذ رحيله، كُـلّ حدث وكل أزمة كان في الوجدان شوقٌ إلى خطابه وحضوره.
لقد كان نصر الله أكثر من قائد سياسي أَو عسكري، كان مدرسة فكرية وروحية جمعت بين صلابة الميدان وحكمة السياسة ورحمة الإنسان.
لم يتحدث يومًا إلا بلسان الأُمَّــة كلها، ولم يُعرف إلا بالصدق، حتى غدا رمزًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا يتجاوز حدود الحزب والطائفة والوطن.
دماؤه لم تطوِ صفحة، بل فتحت صفحات جديدة من الوفاء والعزم والإصرار.
لقد رحل الجسد وبقيت المدرسة، وبقيت الراية التي ستتوارثها الأجيال، كما أن رحيله لا ينهي مدرسة بل يندلع كشرارة تُوقِظ القلوب، وتدعونا إلى تثبيت الموقف والالتزام بالمسار الذي رسمه؛ لأَنَّ الشهادة عنده ليست نهاية، بل تكريس لعهدٍ ومرجعيةٍ تتولّد منها قوةٌ جديدة.
في اليمن كما في لبنان وفلسطين والعراق، اسمه محفور في الذاكرة، وصوته ما زال يدوّي: «كونوا، حَيثُ يجب أن تكونوا».
السلام عليك يا شهيد الأُمَّــة، ورحمة الله تغشاك وتغشى كُـلّ الشهداء.
إن ذكراك ليست مُجَـرّد استدعاء للماضي، بل حافزٌ لمستقبل تُصاغ فيه معادلات جديدة تُغيظ الأعداء وتثلج صدور المستضعفين.
لقد كنتَ رجلًا بحجم أُمَّـة، وستبقى حيًّا في وجدانها حتى يتحقّق النصر الموعود.
سنفي وعد الوفاء -لا ببكاء العاجزين، بل بعملٍ وجهادٍ وصمودٍ مُستمرّ.

قد يعجبك ايضا