المثقف وثقافة (الآخر)
خالد القزحي
سؤال يدور في عقول الكثير من المثقفين حول لماذا حتى المثقف قد يبدو متعصبا لفكرة ما حول قضايا البلد والمجتمع وعدم اتفاقه مع مثقف آخر رغم أن المجتمع يعول كثيرا على أدوار المثقفين في التقارب والبناء وحل أزمات البلد¿!
هذا السؤال مثير للجدل وغالبا يتم النظر للمثقف على أنه إما غير مبال بقضايا بلده أو لا يطبق ثقافته بشكل صحيح وبهذا تكثر الانتقادات ومحاولات تشويه البلد عن طريق القول أنه لا يوجد مثقفون في البلد.
إذا ما نظرنا للكم الهائل من الشهادات العليا التي أصبحت بالبلد والكثرة الوفيرة من الأدباء والإعلاميين والمدرسين وغيرهم من النشطاء الحقوقيين فسنكون غير منصفين باتهام بلدنا أنه خال من المثقفين ومع هذا فنحن ننظر أيضا إلى ماذا يقدمون وكذلك الحالة التي أصبحت فيها بلدهم لنحكم على مقدرتهم وأدوارهم وبالتأكيد مسألتهم حول ما يمتلكون من قدرة وأسباب عجزهم عن تنفيذ مهامهم. سأحاول أن أضع نفسي بعيدا عن هذه الدائرة لأكون مع النظرية أكثر من كوني من المنظرين لأقول أنه لا يوجد ثقافة واحدة اسمها الثقافة الصحيحة بينما بقية الثقافات تعتبر خاطئة ولكن يوجد هناك ثقافات متفاوتة بين الخطأ والصواب وكل مثقف قد ينتمي لأحدها او لبعض منها وبالتالي يحاول جاهدا أن تكون ثقافته هي الأصح , ولأنه في نظره (صاحب ثقافة معينة) يفهمها أكثر من غيرها فهو يلجأ لإثبات أن نظرياته التي يتبناها هي الأصدق دون غيرها محاولا تشويه ما ليس بيمينه..
المثقف في بلدنا يعاني كثيرا وهذا الشيء نعرفه جميعا ولكن ما لا نعرفه هو أن هذا المثقف يضيع بين الكم الهائل من المدعين للثقافة بمجرد أن امتلكوا القدرة على القراءة والكتابة والنظر للأشياء من زوايا ضيقة يعتقدونها قوانين ثابتة وخاصة بوجود قنوات التواصل الاجتماعي التي سهلت كثيرا على بروز المئات إن لم يكن آلاف الأصوات الصداحة القوية التي جعلت صوت المثقف أحدها وليس أقواها أو أجدرها مهما بنى أحكامه علميا وأكاديميا. يصبح المثقف هنا كقشة في كومة من القش الذي ينتقل من هنا إلى هناك مع كل ريح تهب مؤيدة لفكرة أو محاربة لأخرى .. المثقف نفسه في هذه الحالة يجد نفسه ضائعا لأن صوته سيكون كغيره وقد لا يصل لمن يجب أن يسمعه كون الصوت المسموع هو الصوت المدعوم ماليا أو بحسب القوة وربما يخضع لنفس قوانين الغاب المعروفة في كل مجتمع يطغى على مفاصله الفساد.
سيقول قائل لعلي أبالغ كثيرا لأن هناك أصواتا مثقفة تصل للجميع ويحترمها الجميع أتفق معه جدا بالتأكيد هناك فئات من المثقفين في كل جماعة تصنع القرار ولكنها لم تضع اللبنة الحقيقية للبقية لكي يستطيعوا مجاراة ما يحدث من تغيرات وحضور ثقافات عديدة من خارج البلد وتطوير ثقافات أخرى بداخله وبالتالي يصبحون مجرد مدافعين عن نفس الأفكار التي تسيطر على عقولهم أن تلك الثقافة سيئة وتلك الثقافة لا يجب أن تنتشر كثقافة في مجتمعنا وهذا أيضا صحيح إذا ما أغمضنا أعيننا عن شيء اسمه مجتمع مدني مزعوم أو ديمقراطية وحرية شخصية وقوانين حقوق الإنسان.. إلى آخره من القوانين الملزمة الخاصة باحترام كافة الثقافات هذا الوضع يذكرني بكتيب صغير لجون بارقر 1972م بعنوان(طرق الرؤية)حيث يبين الكتاب طرق الرؤية المتعددة للحقائق من زوايا مختلفة وقد تتغير حقائق كاملة بمجرد تغيير زاوية الرؤية.. لا أحاول القول بأن مثقفينا لا يحاولون النظر للأمور بأكثر من زاوية ولكني أحب التأكيد على أنه حتى وإن لم ينظر المثقف للأمور من أكثر من منطلق وبمعطيات مختلفة عن تلك التي يعتقدها قوانينا راسخة في عقله فهناك ضرورة الالتقاء والتقارب مع من يحمل أفكارا مختلفة عن طريق ما يسمى: (تقبل الأخر).
في هذا القرن وبسبب العولمة الاقتصادية والسياسية نتجت نظريات ما بعد العولمة التي تمحي ملامح المركزية والنظر على أنني(أنا) الأول والصائب بينما البقية مجرد آخرين يحق لي تهميشهم.. أصبح الآن كل آخر أولا في قانونه ولهذا سينظر للآخرين كهامش بنفس المنطلق وهذا بسبب الاختلاف الموجود بين الإثنين والاعتقاد بمركزية الرؤية..
المفكر إدوارد سعيد غالبا ما تناول مسألة (الاختلاف) كمحور أساسي لقبول الآخر كون المركزية لم تعد منطقية بسبب الفكر الإستعماري الذي انتهز هذه الذريعة للسيطرة على الآخرين.. على المثقف أن يعرف هذه النقطة جيدا ما يصنع الجدل والكراهية ويزيد من العنف هو أن هناك اختلافا وهذا الاختلاف ناتج عن فكرة مغايرة ومعطيات قد تكون صحيحة أو ربما خاطئة بمنظورنا ولكنها ولدت ثقافة سيدافع عنها من يحملها مهما حاولت الإيقاع به فكريا أو سياسيا أو عسكريا إذن لا بد من تقبلها