لماذا لا تكون جرعة التجار هي الطريق إلى الازدهار
جمال عبدالحميد عبدالمغني
كان الشعب اليمني كريما جدا وحكيما كعادته عندما تفهم ضرورة الإصلاحات السعرية الصعبة والشاقة دونما أضرار تذكر رغم الظروف الخانقة التي يعيشها هذا الشعب المثالي والمعطاء وبالذات الطبقة الفقيرة والتي أصبحت تشكل السواد الأعظم منه أما جانب الحكمة في رد الفعل الشعبي فتتمثل بقبول الإصلاحات السعرية دون مواجهتها بأعمال عنف هستيرية وغاضبة تسبب أضرارا ربما كارثية سواء كانت ردود أفعال عفوية أو حتى مدفوعة من أطراف لها أجندات خاصة وهذا جانب حكيم إذ إن الشعب الطيب أدراك أن البلد لا يحتمل المزيد من الخراب والدمار والانقسام وأدراك أيضا أن الوضع السيئ لمالية الدولة واقتصادها اقترب من مرحلة الانهيار أكثر من أي وقت مضى وبدرجة لم يسبق لها مثيل ربما في تاريخ اليمن الحديث.
طبعا لا شك أن الفساد المتراكم والمرحل منذ عقود هو المسؤول الأول عن ما آلت إليه الأمور بيد أن الحكومة الحالية تتحمل جزءا من المسؤولية إذ إنها لم تتحرك بجدية منذ ثلاث سنوات تقريبا نحو تجفيف منابع الفساد والبدء ولو تدريجيا بتصحيح القوانين وتفعيل الرقابة بل وتشديدها عند تحصيل موارد الدولة الضريبية وغير الضريبية أولا ثم إحكام الرقابة الصارمة على إنفاق هذه الموارد ولو عملت حكومة الوفاق الوطني في هذا الاتجاه منذ الوهلة الأولى لتوليها زمام الأمور لوصلنا إلى هذا المرحلة أو هذا التوقيت ونحن في وضع أفضل بكثير مما نحن فيه بكل تأكيد بل وربما لما احتجنا لهذه الجرعة أصلا باعتبار أن مبلغ 600 مليار ريال أو نحوها والتي كانت مخصصة لدعم المشتقات النفطية كان يمكن توفيرها وأكثر منها لو تم إصلاح الخلل الرهيب في تحصيل وجباية موارد الدولة وكذلك في ترشيد الإنفاق الحكومي (وليس إيقافه تماما كما يحدث أحيانا من باب ذر الرماد على العيون) فالترشيد يجب أن يكون وفق لقاعدة (لا إسراف ولا تقتير) فلا يعني الترشيد وقف مستحقات الناس ووفق عجلة التنمية بل أن يصرف لكل مشروع ما يستحقه فعلا بصورة تماثل ما ينفقه القطاع الخاص على مشاريعه المماثلة سواء فيما يتعلق بسعر المتر أو سعر الوحدة أو القطعة وللتوضيح أكثر لا يصح أن ينفذ القطاع الخاص على مشروع بتكلفة إجمالية تصل إلى ملياري ريال وتنفذ الدولة على سبيل المثال مشروعا مساويا له تقريبا من حيث المساحة والمواصفات بتكلفة إجمالية تصل إلى 4 أو 5 مليارات كل عام والجميع بخير وللحديث بقية.