ظاهرة الغش في الامتحانات ستدمر الأجيال¿!
د/عبد الله الفضلي

تعمل الشعوب المتحضرة دون كلل أو ملل على رفع مستوى العملية التعليمية والتربوية والعلمية وتنشئة أجيال صالحين يرتبطون بالولاء للوطن وحب الانتماء إليه كما تربيهم على الصدق والأمانة , حيث تبذل هذه الدول ومنها اليمن المليارات وذلك من أجل أن تكون الأجيال خالية من الفساد ومن الغش ومن الكذب وأن يكون جيلا صادقا متمتعا بالمواطنة الصالحة , حيث أصبحت ظاهرة الغش متفشية ومنتشرة بين صفوف تلاميذ المدارس وطلبة الثانوية العامة والجامعات وبصورة لافتة للنظر , وتحولت إلى سلوك وممارسة شبه يومية لابد من القيام بها حتى ولو كان الطالب واثقا من نفسه, فحينما تجد إحدى الطالبات أو أحد الطلبة أن بعض زملائهم يحاولون (على حين غفلة أو تغافل أو تساهل من الملاحظين) ممارسة عادة الغش فيظن في نفسه أنه الوحيد الذي لا يمارس الغش , وإنه قد ربما تكون إجابته خاطئة فيلجأ أو تلجأ الطالبة إلى الغش بالتعاون مع بعض الطلبة أو الطالبات الذين يجاورونهم في الجلوس على المقاعد وذلك للحصول على بعض الكلمات المفتاحية أو بعض المصطلحات الغامضة التي غالبا ما تكون خاطئة عند نقلها من الآخرين .
إن ظاهرة الغش اليوم قد تحولت إلى حالة نفسية خطيرة تضر بكل الأجيال الحالية والقادمة كما تؤثر على عملية التحصيل العلمي وعلى التنمية والتربية والتعليم , لأن الجيل الذي نشأ على ممارسة الغش سلوكا ونشأة سيكون وبلا شك جيلا فاسدا وعابثا وفاشلا وغشاشا في كل مراحل حياته ولن يعبأ بأي قيم أو مثل أو سلوك وهو على استعداد أن يغش في كل شيء في المناقصات وفي المواصفات وفي الأدوية وفي العلاجات وفي البناء وفي الطرق والسفلتة وفي الأطعمة والأغذية وأن يغش في التصنيع وفي كل شيء يقع تحت إدارته أو نطاق اختصاصه , إن ظاهرة الغش في الامتحانات ظاهرة سلبية ماحقة للأجيال تدمر المجتمع وتتخطى كل القوانين والأعراف والأخلاق واللوائح والأنظمة وتسير بالمجتمع نحو الهاوية , وهي من أشد أنواع الفساد الأخلاقي.
ولكن من يقف ويشجع على ممارسة الغش سواء في المدارس أو في المراكز الامتحانية أو الجامعات والمعاهد العليا . بحسب علمي واطلاعي ومعايشتي للطلبة ومتابعتي للأحداث والتطورات الجارية لما ينشر في الصحف من أخبار عن الامتحانات تبين أن هناك أطرافا عديدة مساهمة في هذه العملية مجتمعية وفردية , وهي في نفس الوقت متضافرة ومتضامنة فيما بينها لممارسة الغش وإفشائه وانتشاره والتشجيع عليه والدفع بالطلبة نحو الغش حتى ولو كان الطالب جيدا وهذه الفئات المجتمعية تتمثل في :
1- المعلمون من (ضعفاء النفوس) ومعدومي الضمائر والأخلاق وهم الحلقة الأضعف وهم الأكثر عرضة والأكثر حاجة لكسب المال المدنس , فالمعلم ضعيف النفس يبيع ويشتري بالطلبة بحسب رغباتهم وبحسب ما يعرض عليه من أموال مغرية وهو أقل ذمة وأضعف أخلاقا وقيم فهو على استعداد أن يبيع مهنته وكرامته وضميره وأخلاقه وقيمه في سبيل الحصول على المال, لأن الشكاوى كثيرة حول دور المعلم في ممارسة الغش فهو الذي يقوم بوضع الامتحانات ومن ثم يقوم بتسريبها وحلها وبيعها بالمزاد العلني لمن يدفع أكثر, ويخون أمانته العلمية وفي أثناء عملية إجراء الامتحانات يظل عاكفا وتحت الطلب أمام أي مركز امتحاني بالاتفاق المسبق وتتسرب إليه الأسئلة فيقوم بحلها وتصويرها ومن ثم يسلمها إلى أحد أفراد الحراسة الذي يقوم بدوره بتوزيع نماذج الحلول على الطلبة داخل لجان الامتحان بالاتفاق مع الملاحظين ورئيس اللجنة الامتحانية وأفراد الحراسة وكل شيء له ثمن وهذا ما يحدث بالضبط في مراكز الامتحانات البعيدة عن سيطرة الدولة .
2- أما الطرف الثاني والمساهم في ممارسة عملية الغش والتشجيع عليه هم الآباء والأقارب من النافذين الذين يدفعون أبنائهم أو أقاربهم (المدلعين جدا) إلى ممارسة الغش بالنفوذ وبقوة السلاح وبالترهيب والترغيب حيث يدخل أبناؤهم إلى قاعات الامتحانات وبصحبتهم عدد من الحرس الخاص ثم يأتي دور اللجنة الامتحانية التي تقدم لهؤلاء الطلبة الإجابات محلولة دون أن يبذلوا فيها أية مجهود يذكر أو مذاكرة مستمرة أو سهر أو ابتلاء, بينما أولئك الطلبة الذين سهروا الليالي وقضوا الأيام وهم يستذكرون ويذاكرون ويحرمون أنفسهم من كل ترفيه أو نوم كاف وكل أملهم أن يحصلوا على درجات عالية كي يلتحقوا بأية كلية مرموقة أو يحصلوا على منح دراسية خارجية تتبخر أحلامهم فور إعلان النتيجة العامة بعدم حصولهم على ما كانوا يحلمون به .
وأن الذين اقتحموا لجان الامتحانات وحصلوا على التسهيلات وتسلموا الامتحانات محلولة وجاهزة فقط قاموا بنقلها إلى كراسات الإجابات هؤلاء هم الذين حصلوا على أعلى الدرجات وهم الذين سوف يحصلون على المنح الخارجية مكافأة لهم على حساب الآخرين !
ومن المؤسف والمحزن أن ظاهرة الغش في الامتحانات قد باتت تمارس في كل المدارس والجامعات والمعاهد العليا و
