معارضات الخارج
أحمد الشرعبي
تظل معارضة الخارج حاضرة في ذهن الحاكم بمقدار ما يمكنها القيام به من إزعاج وما تتيحه أخطاء الحكومات أمامها من فرص للاستثمار العبثي في مخاطبة جمهور يركض على كل الاتجاهات وينساق خلف خيارات عمياء يأكل بعضها بعضا ولا يألو.
تختلف معارضات الخارج وتتعدد مستوياتها كما تتعدد وتختلف مواقفها من اعتمالات الأوضاع الداخلية وتطوراتها السلبية أو الإيجابية والشائع بين هذا التعدد والاختلاف ثلاثة اتجاهات على الأرجح.. معارض موضوعي يضع مصلحة بلاده فوق الأهواء والمطامع والثارات الانتقامية ويتصرف على هذا الأساس رغم قدرته على توظيف المزاج الشعبي في تقديم نفسه بطلا.. ومعارض آخر دائم الوقوع تحت تأثير عواطفه الذاتية ونزقه السياسي تأسره اندفاعات الكتل البشرية وصوره المرفوعة في مسيراتها الصاخبة على غير هدى مرة باتجاه ما تعتقده هدفا تاريخيا يتعين عليها انجازه وطورا من أجل الانقضاض على الهدف.. ذات الهدف المنجز وإسقاطه بضراوة وقسوة.. أما النمط – الثالث من المعارضات العربية في الخارج – فنهاز فرص ترتهن مواقفه لأجندات إقليمية أو دولية تحكم حركته وتوجه اختياراته.
لم تشهد الساحة العربية تغيرا جوهريا لعلاقة معارضة الخارج بنظم الحكم والأخيرة بدورها لم تقدم نموذجا مغايرا لطريقتها السوداوية السهلة في وصم خصومها السياسيين وإسقاط هواجسها الأمنية تجاههم فحيث ذكر هؤلاء على لسان وسيط ثالث كانت تهمتي العمالة والتآمر جاهزتان وفي أحسن الأحوال يكون ثمة قبول ببعض شخوص معارضات الخارج واستعداد حكومي لتأمين معايشهم في الداخل دون النظر لأدوارهم التاريخية وشراكتهم الوطنية أو التحاور مع طروحاتهم السياسية ومدى واقعيتها مقارنة بظروف بلدانهم.
عام 2011م أدار التاريخ ظهره لمعارضات الخارج وتبين فعالية وجدوى الاستبداد في صناعة ثورات عفوية لا مجال للشك في عدالتها ولا في وجاهة أسبابها لكنها مع صخبها الهادر حملت الكثير من عوامل ضعف واهتراء النظم الديكتاتورية وانزلقت إلى الطريق الخطأ لتعاود الناس فكرة الثورة مجددا بعد تضحيات فاقت التوقعات بل هي فاقت قدرة الشعوب الربيعية على التحمل كما في مصر وليبيا أو كما تتخاطره مخيلة المتابعين مجريات الوضع في اليمن!
الباحثون في بلداننا أهملوا موضوع المعارضات العربية في الخارج فلم نقف على دراسات مرجعية يمكن الاستئناس بها حال توافرت متغيرات إيجابية تشجع على وضع أس جديدة تقلل من ظاهرة الاغتراب الاضطراري لدواع سياسية.
مؤخرا تداولت الأوساط السياسية اليمنية أنباء متواترة عن عود المهندس حيدر أبوبكر العطاس إلى اليمن لترؤس حكومة إنقاذ وطني تنتشل اليمن من كبوات الحكم بأدوات الصراع وهو وإن نفى ذلك إلا أنه عبر عن موقف عقلاني حصيف من مخرجات الحوار الوطني وميل لتغليب المصلحة العليا على حماسات بعض رفاقه في المهجر ممن يعملون لصالح المشاريع اليائسة ودعوات الفصام التي تعاقب الهوية الوطنية نكاية بمعاقل التخلف القبلي المفطورة على ثقافة الفيدونزوات الأستقواء بالدهماء وعمليات تحويل المقدس إلى مدنس.
رأس العطاس أول حكومات دولة الوحدة وتبنى برنامجا وطنيا للإصلاح الشامل لتسقط تفاحة أحلامه بين فكي القبيلة والأيدلوجيا بيد انه انحاز إلى إلفه ليكتشف فيما بعد – ما فوجئنا به على الصف الآخر – أن القبيلة والأيدلوجيا – في بلد متخلف – ينتميان إلى عصبويات ما قبل الدولة ولا علاقة لهما بقيم العصر وسباقات البرامج.
إثر مواجهات 94م خاضت السياسات العصبوية مارثونا تدميريا كشف النقاب عن الأهداف المضمرة خلف مشروعيتها الوحدوية المزعومة فيما لا يزال الستار مسدلا حول الكثير من الأسرار سواء منها المتصلة بممهدات الحرب وما إذا كانت امتدادا لقرار الوحدة المتخذ بين صالح والبيض داخل نفق جولدمور كما في بعض الروايات أو تلك الأسرار المرتبطة بشركاء النفير الجهادي لاستعادة الجنوب إلى بيت الطاعة وإقامة موازين العدل في اقتسام إسلاب الحرب بين قبيلة الحاكم وحاشيته من جهة وتجمع الإصلاح (الإخوان المسلمين والقاعدة) من الأخرى.
والأرجح أن جزءا رئيسا من تداعيات 2011م وما تلاها من تطورات يتعلق بتلك الأسرار ولا صلة لها بشعارات التغيير ولا بما ذهبت إليه تطلعات الشعب ذاك أن كمائن السياسة تحركها فواتير مؤجلة وصفقات محققة الأرباح في رصيد طرف على حساب أطراف!!
كثيرون ولا شك دفعوا أرواحهم أو ضحوا بقسط من حيواتهم في سبيل مبادئ عظيمة ينتهي بها الحال إلى صفقات مشبوهة ومتاع زائل.
وربما لهذا يبدو رئيس وزراء دولة الوحدة ضحية رؤية برامجية استهدفتها صفقات وأسرار تشارك القا