التمييز بين الدولة والسلطة (1)
د . أحمد حمود المخلافي

كثيرا ما يلاحظ الخلط بين مفهومي الدولة والسلطة عند عامة الناس الأمر الذي يقتضي التوضيح لأن الدولة غير السلطة والسلطة غير الدولة فما هي الفروق¿
1- الدولة:هي نتاج تاريخي للوعي الاجتماعي (الاقتصادي الثقافي والسياسي) يتشكل من خلال وجود شعب فوق أرض ويتحدد على أرض الواقع من خلال إطار دستوري مؤسسي يهدف إلى وضع سيادة الدولة موضع التنفيذ في الداخل (في علاقة الدولة مع السلطة وفي علاقة السلطة مع المواطن) وفي الخارج (في علاقة الدولة مع غيرها من الدول).
2- السلطة:هي كيان سياسي عابر يستمد شرعيته من الكيان التاريخي (الدولة) وبذلك تكون الدولة هي صاحبة السيادة وهي صاحبة الشرعية التي يخضع لها الجميع في المجتمع بما في ذلك السلطة التي تحكم المجتمع أو تديره وبذلك تكون السلطة جزءا من هذا الكل ويجب أن تخضع له (لمبادئه أحكامه قيمه معاييره السياسية والثقافية والأخلاقية) كما يجب أن يخضع لذلك أي جزء من هذا الكل.
فالدولة هي الكل هي الأم التي ترتبط بها مؤسسات الدولة بشكل يفوق ارتباطها بالسلطة (رمز السلطة) التي تدير هذه المؤسسات في الدولة من جهة والتي تربط المواطن مع هذه المؤسسات من جهة ثانية بحيث يحمل الخضوع للسلطة معنى الخضوع للدولة وليس لذات السلطة كونها سلطة.
ونظرا لأن مفهوم الدولة لا وجود مادي واقعي له يقول: “أنا الدولة” مثل وجود السلطة العملي الذي يقول: “أنا السلطة” وترمز لنفسها برئيس أو حاكم لذلك يخلط الكثيرون بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة التي تحكم (الحكومة) ويرون أن السلطة هي الدولة وأن الدولة هي السلطة لا غير.
هذا الخلط بين المفهومين وهذا التداخل في الواقع وفي وعي الناس وثقافتهم هو الذي يدفع بالسلطة إلى أن تكون سلطة شمولية.. سلطة فوق سلطة الدولة لتتوارى الدولة خلف السلطة.. ولهذا السبب أيضا يتم الخلط بين واجبات المواطن تجاه الدولة وبين واجباته تجاه السلطة التي تحكمه وكذلك بين واجبات المسئول في السلطة تجاه السلطة التي يمثلها وبين واجباته تجاه الدولة التي يعيش في كنفها ويحظى برعايتها كمواطن في دولة قبل أن يكون مسئولا في سلطة.
إلا أن الدولة مع ذلك ليست مفهوما مجردا بل إن الدولة موجودة وجودا منطقيا شرعيا وحاضرة في المجتمع حضورا يجمع حوله كل الشعب الذي يعيش في إقليم الدولة ويلخص وعيهم وتاريخهم الاجتماعي والسياسي والثقافي.. ويتمثل حضور الدولة في المجتمع من وجهين أساسيين:
– حضور تاريخي ثقافي اجتماعي.
– حضور دستوري قانوني إداري.
ويظهر هذان الوجهان في علاقات السلطة مع مؤسسات الدولة من ناحية ومع السلطة التنفيذية الإدارية من ناحية ثانية كما يظهر في علاقات المواطن مع الدولة وفي علاقات السلطة مع المواطن.
ومن خلال هذا الظهور تتشكل القواعد والأسس التي تتفاعل من خلالها السلطة مع الناس والناس مع السلطة وتتضح من خلال ذلك حدود وصلاحيات السلطة وشرعية ممارستها ومجالات الحرية والعدالة وقيم المواطنة والكرامة والإحساس بوجود الدولة وسيادتها وهيبتها الخ.
ويظهر هذا الحضور بشكل واقعي عندما تشعر السلطة أن الدولة تحاصرها وتحد من سطوتها.. تحدد مجال حركتها وحدود صلاحياتها فتعجز السلطة بسبب ذلك عن التجاوز والاستبداد والطغيان غير أن هذا الحضور كثيرا ما تسلبه السلطة من الدولة عندما تطغى السلطة على الدولة على المجتمع على الناس وتدعي السيادة (لنفسها) على الدولة.
ومدى سيادة الدولة (الكل) هو الذي يحدد شكل وطبيعة علاقة الدولة بالسلطة التي تديرها (الدولة) وكذلك علاقة مواطنيها بها وعلاقتهم بالسلطة وهي العلاقة التي تترتب كنتيجة منطقية واقعية عن تلك العلاقة (علاقة الدولة بالسلطة).
وإدعاء السلطة للسيادة على الدولة هو في حقيقة الأمر اغتصاب لحق الدولة في السيادة وهو بالتالي اغتصاب لحق الناس في أن تكون السيادة للدولة دون غيرها الدولة التي يطيع الناس السلطة من أجلها وهم راضون عن هذه الطاعة وليس من أجل السلطة التي قد يرضون أو لا يرضون عنها.. لأن سيادة الدولة تعني سيادة الشعب وسيادة الشعب تخص الشعب كمجموع وليس كأفراد وهي تعني سيادة الكل على أجزائه وليس سيادة أجزاء فرادى تشكل هذا الكل سواء كانت هذه الأجزاء هي السلطة أم الحزب أم الطبقة أم الجماعة أم الفرد.
كما أن العامل التاريخي لشعب من الشعوب ولسلطة من السلطات الحاكمة هو بناء الدولة وليس بناء السلطة فقط وبناء الدولة لا يعني بناء مؤسسات للسلطة تنشأ وتعمل وفقا لسيكولوجية السلطة وإشباعا لرغباتها وحاجاتها ونزعاتها اللاعقلانية فالنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا كانتا محض سلطة وليس دولة لأن البناء الذي تم في كليهما كان بناء للسلطة ولم يكن بناء للدولة ولأن مؤسساتها