عامان من العطاء: الرئيس الإنسان مهدي المشاط وهيئة الزكاة يرسّخان مجانية الطب في المستشفى الجمهوري

عبدالحافظ معجب

 

 

في زمنٍ تتقاذف فيه الشعوب أوجاعها بين فواتير العلاج وأعباء الدواء وتنهكها تكاليف المرض قبل أن ينهكها المرض نفسه تبرز مواقف لا يصنعها إلا القادة الذين يسكنون وجدان شعوبهم، لا قصورهم، ويتنفسون وجع الناس قبل أن يسمعوه، هكذا بدا القرار الإنساني الذي اتخذه الرئيس مهدي المشاط قبل عامين، حين وجّه بجعل الخدمات الطبية في هيئة المستشفى الجمهوري التعليمي بصنعاء مجانية ليعيد الأمل إلى قلوب الفقراء والمستضعفين وليثبت أن القيادة التي تشعر بمعاناة شعبها يمكنها أن تصنع المعجزات بإنسانيتها قبل سلطتها.
لم يكن ذلك القرار مجرد توجيه إداري أو خطوة دعائية – كما يحلو للبعض توصيفها، بل كان انعكاساً لطبيعة الرئيس الإنسان الذي لم تفصله المناصب عن واقعه الشعبي ولم تحجبه جدران القصور عن رؤية مشهد مواطن في يمن 21 سبتمبر موجوع يبحث عن دواء أو ثمن عملية جراحية، فمن وسط المعاناة خرج القرار الذي أعاد الطب إلى أصله الإنساني، وحوّل المستشفى الجمهوري إلى واحة رحمة لكل من ضاقت به سبل الحياة في زمنٍ بات فيه العلاج حلماً بعيد المنال لكثير من الأسر الفقيرة.
عامان مرا على ذلك القرار التاريخي والنتائج تتحدث بلغة الأرقام والوجوه، فخلال الفترة من 24 سبتمبر 2023 وحتى 24 سبتمبر 2025، قدّم المستشفى الجمهوري التعليمي بصنعاء أكثر من 5 ملايين و381 ألف خدمة طبية مجانية لمجموع 521 ألف مريض وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المؤسسات الصحية اليمنية، هذه الخدمات شملت ما يزيد على 3.3 ملايين فحص طبي وأكثر من 702 ألف فحص بالأشعة ونحو 75 ألف عملية جراحية إلى جانب 430 ألف إجراء طبي متنوع وأكثر من 553 ألف معاينة و301 ألف رقود للمرضى.
بلغ إجمالي ما تم إنفاقه على هذه الخدمات المجانية أكثر من 15 مليار ريال بتمويل كامل من الهيئة العامة للزكاة التي حوّلت أموال المزكين من أرقام في الدفاتر والسجلات إلى شفاء على أسرة المرضى.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات باردة، بل هي قصص حياة تُروى كل يوم داخل أروقة المستشفى الجمهوري حيث يجد الفقراء أبواب الطب مفتوحة دون شروط والدواء متاحاً دون مقابل والعمليات تُجرى لمن يحتاجها لا لمن يستطيع دفع تكلفتها، آلاف المرضى من المناطق المحتلة كعدن وحضرموت وأبين والضالع ولحج قطعوا مئات الكيلومترات إلى صنعاء عاصمة كل اليمنيين ليجدوا فيها ما فقدوه في مناطقهم، دولة تراعي إنسانيتهم ومستشفىً يعالجهم بكرامة.
قرار الرئيس المشاط وجد ذراعه التنفيذية المخلصة في الهيئة العامة للزكاة التي تحوّلت إلى واحدة من أكثر المؤسسات فاعلية في خدمة المجتمع، برئاسة الشيخ شمسان أبو نشطان الرجل الذي يستحق بحق وصف “ناصر المستضعفين”، أدت الهيئة دورها بإخلاص ومسؤولية في تمويل المشروع بانتظام بموازنة شهرية تقارب 400 مليون ريال أي ما يزيد على 4.8 مليار ريال سنوياً، هذه الأموال التي جُمعت من المزكين تحوّلت إلى حياة تُنقذ وجراح تُعالج ودموع تُمسح من وجوه الأطفال والنساء وكبار السن.
ولأن القرارات العظيمة لا تثمر إلا حين تجد رجالاً أوفياء ينفذونها بروح الرسالة فقد كان للمستشفى الجمهوري إدارة واعية وكادراً طبياً استثنائياً ترجموا توجيهات القيادة إلى واقع ملموس، في مقدمة هؤلاء الدكتور محمد جحاف رئيس هيئة المستشفى الجمهوري الذي قاد المؤسسة بروح الطبيب والمسؤول في آنٍ واحد، مستنداً إلى رؤية إنسانية جعلت من المستشفى ليس مجرد مبنى علاجي بل مؤسسة تحمل نبض الرحمة والإنسانية في ممراتها وغرفها، حوله وقف جيش أبيض من الأطباء والممرضين والفنيين والإداريين الذين يؤدون واجبهم اليومي بإيمان عميق بأن خدمة الفقير والمحتاج عبادة وأن الرحمة قبل التخصص والإنسان قبل الإجراء.
ما قامت به الهيئة العامة للزكاة لم يكن إنفاقاً خيرياً، بل تطبيق عملي للركن الثالث من أركان الإسلام في أسمى معانيه، فقد أثبت واقعنا أن الزكاة حين تُدار بأيدٍ أمينة ومؤمنة بعدالتها يمكن أن تكون رافعة اقتصادية وصحية واجتماعية في آنٍ واحد، إن ما أنجزته الهيئة من خلال تمويل مشروع مجانية العلاج في المستشفى الجمهوري يعكس روح التكافل التي دعا إليها الإسلام، حيث يتحوّل المال من أداة تراكم إلى وسيلة نجاة ومن حق مكتنز إلى رحمة جارية.
لقد شكّل المشروع نقلة نوعية في منظومة الخدمات الطبية بالعاصمة صنعاء، توسّع المستشفى الجمهوري في إدخال تخصصات نوعية جديدة وتزايدت معدلات العمليات الجراحية والعلاجات المعقدة في الوقت الذي حافظ فيه على مستوى راقٍ من الرعاية الطبية رغم التحديات المحيطة بالقطاع الصحي بسبب العدوان والحصار ونقص الإمدادات، ليصبح المستشفى نموذجاً فريداً لما يمكن أن تفعله الزكاة حين توظَّف في خدمة الإنسان لا في تخزين الأموال. حالات المرضى القادمين من أقاصي البلاد تختصر كل التقارير والإحصاءات، أحدهم جاء من المكلا يحمل طفلاً مريضاً بالقلب بعد أن عجز عن دفع تكاليف العملية في مناطق الاحتلال، لكنه وجد في صنعاء من يستقبله بابتسامة لا بفاتورة، امرأة من الضالع أجرت عملية كبرى دون أن تدفع ريالاً واحداً، هذه الحكايات هي الشهادة الحية على صدق القرار وعلى أن الدولة التي تحكمها الرحمة تستطيع أن تنتصر على كل الظروف مهما كانت قاسية.
من الإنصاف القول إن الرئيس مهدي المشاط لم يقدّم قراراً صحياً فحسب، بل قدّم درساً في الحكم الراشد الإنساني، لقد أعاد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن فصارت الدولة راعيةً لا جابية والقيادة خادمةً لا متسلطة، ومثلما أزال عن المواطن عبء تكاليف العلاج أزال عن مؤسسات الدولة عبء البيروقراطية التي كانت تقتل روح المبادرة الإنسانية.
وفي المقابل، أنجزت الهيئة العامة للزكاة ما يمكن وصفه بثورة في كيفية إدارة فريضة الزكاة، فقد أظهرت أن الزكاة لم تفرض لتكون مجرد التزام مالي يُؤدى ويُنسى بل هي أمانة اجتماعية تُعيد توزيع الخير على قاعدة “وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم”، هنا يبرز البُعد القرآني العميق للمشروع فهو ليس تفضلاً من الدولة على الفقراء بل أداء لحقهم المشروع الذي فرضه الله في أموال الأغنياء.
ومن هذه الزاوية، فإن المزكي الذي يحرص على إخراج زكاته في وقتها إنما يشارك فعلياً في إنقاذ روح وكي يرى ذلك بعينه عليه زيارة المستشفى الجمهوري ليتأكد أن كل ريال زكوي يُدفع يتحوّل إلى شريان حياة داخل غرفة عمليات أو إلى جرعة دواء لطفل مريض أو إلى سرير راحة لكهل أنهكه المرض، أما من يتباطأ أو يمتنع عن إخراج الزكاة فهو لم يحرم نفسه الأجر فقط بل حرم الفقراء من حقٍّ جعله الله “معلوماً”، وحجب عن المستضعفين دواءً أو علاجاً كان يمكن أن يغير مصيرهم.
هكذا، وبعد عامين من العطاء يمكن القول إن قرار الرئيس مهدي المشاط وتمويل هيئة الزكاة وإدارة المستشفى الجمهوري بقيادة كوادره الطبية والإنسانية رسّخوا تجربة يمنية فريدة تمزج بين الحاكم المواطن والمال الطاهر والطب الرحيم والضمير المهني الحي، إنها تجربة تُعيد تعريف معنى الحكم في زمن الألم وتذكّر اليمنيين أن في هذا الوطن رجالاً لا يملكون القصور لكنهم يبنون يمن 21 سبتمبر بالصدق ويزرعون الحياة للشعب بإنسانيتهم وزكاتهم وإيمانهم وعملهم.

قد يعجبك ايضا